مجزرة اللد – ذاكرة لا تموت
بعد بحثي عن مجزرة اللد، وجدت أنها من أبشع المجازر التي ارتكبت في فلسطين عام 1948، ورغم فظاعتها، لم تأخذ حظها من التوثيق الإعلامي كما ينبغي. لا أعرف لماذا، لكن يبدو أن الكثير من صفحات التاريخ المظلمة لا تزال مطوية أو تُروى على استحياء.
في تقريره عن المجازر التي وقعت في مدينة اللد، كتب "مولاي كوهين" في كتاب البلماح، صفحة 885:
"لا شك في أن قضية اللد والرملة، وهرب السكان والتمرد اللذين جاءا في أعقابهما، قد وصلت فيها وحشية الحرب إلى ذروتها."
ووفق ما جمعته من مصادر متعددة:
في 11 يوليو 1948، الموافق 5 رمضان 1367 هـ، ارتكبت وحدة كوماندوز صهيونية بقيادة "موشيه ديان" مجزرة دامية في مدينة اللد، ضمن ما سُمي بـ"عملية داني"، والتي استهدفت مدينتي اللد والرملة الواقعتين في المنتصف بين يافا والقدس.
في اليوم السابق، 10 يوليو، عُيّن "يغال ألون" قائدًا للهجوم، و"يتسحاق رابين" نائبًا له، وتم قصف المدينة من الجو، لتكون اللد أول مدينة فلسطينية تتعرض لقصف جوي من قبل الاحتلال.
بعد انسحاب الفيلق العربي بأمر من "غلوب باشا"، تُرك السكان وحدهم في مواجهة القوات المهاجمة. احتمى المدنيون بمسجد دهمش، ومعهم رجال مقاومون بأسلحة بسيطة، لكن بعد نفاد الذخيرة، اقتحم الجنود المسجد وارتكبوا مجزرة بشعة داخله.
بحسب بعض التقديرات، بلغ عدد الشهداء 426 فلسطينيًا، بينهم 176 في مسجد دهمش، بينما تشير روايات أخرى إلى أن عدد الضحايا قد يصل إلى 1300 شهيد. وقد أُحرقت جثامين الضحايا أمام بوابة المقبرة، بعد تكديسها فوق بعضها البعض.
أثناء الهجوم، اقتحم الصهاينة المدينة من جهات عدة، وتم عزل اللد والرملة عن أي دعم خارجي. سقطت القرى المحيطة الواحدة تلو الأخرى، وتعرّضت الأحياء المكتظة بالقصف المدفعي والجوي.
بعد أن رفعت المدينة الأعلام البيضاء، وأُعلنت حالة حظر التجول، تقدمت مدرعات أردنية من جهة محطة سكة الحديد، واشتبكت مع القوات الصهيونية، مما أدى إلى إصدار أوامر بإطلاق النار على أي شيء يتحرك. في غضون ساعات قليلة، قُتل ما لا يقل عن 250 فلسطينيًا في الشوارع.
وفي رواية العقيد احتياط "موشيه كالمان"، التي نُشرت في صحيفة "يديعوت أحرنوت" بتاريخ 2 مايو 1972، ورد أن سكان المدينة لجأوا إلى المسجد والكنيسة المجاورة له، إلا أن المجزرة لم تستثنِ أحدًا.
**
من عائلتي:
رحم الله جدي يوسف محمد عبد القادر أبو جمال العناتي، الذي كان في الثانية عشرة من عمره عند تهجيره من اللد. وجدتي أمينة عبد المعطي أم جمال العناتي، كانت تبلغ فقط أربع سنوات. حدثاني كثيرًا عن أيام التهجير والدمار والموت، عن كيف دخلت قوات الاحتلال وقتلت وحَرَقت، وعن الرعب الذي جعل الناس يفرّون دون مال أو متاع أو حتى دابة تُعينهم على المشي، من اللد إلى غزة، ثم إلى الضفة الغربية، سيرًا على الأقدام.
جدي أخبرني أنه اختبأ فوق شجرة حين دخلت القوات إلى المدينة، وبقي هناك إلى أن هدأ القصف. كانت شهاداتهم متناثرة، لكنها شكلت في قلبي وعقلي صورة دامية لا تُنسى.
من الشهداء أيضًا، جد والدي من جهة أبيه، الشهيد محمد عبد القادر عناتي، مناضل قاوم الاحتلال البريطاني، وسُجن بتهمة مساعدة في قتل عميل. خرج من السجن عند تسلّم الاحتلال الصهيوني للبلاد، وواصل مقاومته، حتى استُشهد في مجزرة اللد، محروقًا وجريحًا في عام النكبة.
وقد ورد اسمه في كتاب "سجل المحكومين بالإعدام في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني"، كوثيقة على نضاله ووقوفه في وجه الاحتلال.
**
أهل اللد معروفون بثباتهم، وعنادهم في الحق، وكرامتهم التي لا تُساوَم. لم ينسوا، ولن ينسوا، ما حدث في مدينتهم، ولن يتخلّوا عن قضيتهم. وهم، ككل الفلسطينيين، متمسكون بحق العودة، وبفلسطين كاملة من النهر إلى البحر، ومن الشمال إلى الجنوب.
سنبقى نروي هذه القصص، لا لنُذكّر بالماضي فقط، بل لنُثبّت الحاضر، ونرسم ملامح المستقبل. فهذه ذاكرتنا، وهؤلاء أجدادنا، وهذه أرضنا التي لا بدّ أن نعود إليها.
#لنا_عودة
#مجزرة_اللد
#لداوي_وأفتخر
#حتى_لا_ننسى
#فلسطين_قضيتي
#اللهم_وعدك_الذي_وعدت
#بقلمي: محمد حسن يوسف محمد عبد القادر عناتي
بتاريخ: 23/5/2020م | الموافق: 30 رمضان 1441 هـ