ولعل أقدم من زار فلسطين وكتب عنها المؤرخ الجغرافي ابن خُرداذْبَة (205 - 280ه)، وهو مؤلف كتاب "المسالك والممالك"، وقد كان جل اهتمامه بالطرق والجباية والمسافات، فذكر المسافة بين كل بلدة وأخرى، مبتدئاً ببيت المقدس ، ووصف كور طبرية، وبيسان، وصفورية وعكا، والرملة وعمواس واللد ونابلس وقيسارية وغزة.( المسالك والممالك لابن خرداذبة ، ص 79).
وفي الربع الأخير من القرن التاسع الميلادي الموافق للقرن الثالث الهجري، ألَّف المؤرخ الجغرافي أحمد بن إسحاق اليعقوبي (231 - 318 ه) كتاب "البلدان" ، وقال: "ولفلسطين من الكور كورة إيليا وهى بيت المقدس وبها آثار الانبياء وكورة لدّ وعمواس ونابلس:( اليعقوبي،م1 ،ص 98).
وذهب المؤرخ الجغرافي أحمد بن يحيى البلاذري 279 ه إلى أبعد من ذلك، حين أرخ في كتابه "فتوح البلدان" للأخبار المحلية في فلسطين سواء العسكرية أو السكانية وعن تطور الأبنية الشهيرة، حيث قال: كانت أول وقعة واقعها المسلمون الروم في خلافة أَبِي بكر الصديق رضي اللَّه عنه أرض فلسطين، وعلى الناس عَمْرو بن العاصي، ثم أن عمروا بن العاصي فتح غزة في خلافة أَبِي بكر رضي اللَّه عنه، ثُمَّ فتح بعد ذلك سبسطية ونابلس ، ثُمَّ فتح مدينة لد ثم فتح يبنى وعمواس ويبت جبرين (فتوح البلدان ، ص 140)
وفي كتاب (البلدان ، ص153)لابن الفقيه (ت ٣٦٥) يذكر: " ومن كور فلسطين أيضا عمواس، وكورة لدّ، وكورة يبنا، وكورة يافا، وكورة قيساريّة، وكورة نابلس، وكورة سبسطية، وكورة بيت جبرين، وكورة غزّة، وعسقلان"
ومن المؤرخين الذين طافوا في فلسطين وذكروها في كتبهم المؤرخ الرحالة محمد بن حوقل 367 هجري، وقال في كتابه" صورة الأرض" :" وفلسطين أزكى بلدان الشأم ريوعا ومدينتها العظمى الرملة وبيت المقدس تليها فى الكبر وهى مدينة مرتفعة على جبال يصعد اليها من كلّ مكان يقصدها القاصد من فلسطين" ( ابن حوقل ،1938 ،ص 171 )[1]
ومن أشهر الجغرافيين الذين طافوا البلاد الإسلامية في القرن الرابع الهجري الموافق للعاشر الميلادي، الجغرافي شمس الدين أبو عبدالله البشاري المعروف بالمقدسي لأنه ولد في القدس (336 ـ 380) هجري، وكتابه الشهير هو "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" وفي ذكر عمواس قال: ".. انها كانت القصبة في القديم " (المقدسي ،1980، ص 176) . وبرز كتاب جغرافي كتبه المهلبي العزيزي (المتوفى: 380هـ)، كتاب المسالك والممالك نقل عنه مؤلفون أمثال ابن العديم وياقوت الحموي وأبو الفداء، قال المهلّبي: "كورة عمواس هي ضيعة جليلة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس "( العزيزي،2006،ص183).
وفي القرن السادس الهجري الموافق للقرن الحادي عشر الميلادي، ظهر المؤرخ والرحالة الفارسي ناصر خسرو (394 ـ 481) هجري، وضمَّن في كتابه "سفر نامة" أخباراً عن اجتيازه للمدن الفلسطينية في طريقه لآداء فريضة الحج في مكة المكرمة.
وتميز القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي بالكتابة عن جغرافية فلسطين أكثر من غيرها، ومرد ذلك إلى استيلاء الصليبيين على بيت المقدس وقسم كبير من هذه البلاد المقدسة، ومن الرحالة والجغرافيين الذين كتبوا عن فلسطين وقلبها مدينة القدس المؤرخ علي بن أبي بكر الهروي (611 ه) ومن أهم كتبه التي تضمنت شرحاً وتوصيفاً لطبيعة فلسطين وجغرافيتها كتاب "الإشارات إلى معرفة الزيارات"، وذكر ان عمواس: “ بها خلق كثير من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم ماتوا بالطاعون فى هذا الموضع" (الهروي ، ١٩٥٣م ، ص 37)
وقد أفاد من البلاذري في أخبار البلدان كثير من الرحالة والمؤلفين، منهم ابن العديم ( 588 -660 ه ) في الحديث عن طاعون عمواس في كتابه بغية الطلب فى تاريخ حلب(ابن العديم،ج7 ، ص3165) والمؤرخ ابن شداد (613 - 684 ه) وكتابه " النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية - سيرة صلاح الدين الأيوبي" وذكر كيف تسلم أصحاب السلطان غزة وبيت جبرين والنطرون بغير قتال، ثم سار إلى القدس وقرر أموره وعاد إلى مخيمه بالنطرون (ابن شداد ، ص 129) ، وأشارت الدراسات المختلفة إلى أن ياقوت الحموي (574 - 626 ه) قد استفاد إلى حد كبير من كتب الهروي، وكان الحموي زار فلسطين مرتين وقال في تعريفها "إنها آخر كور الشام من ناحية مصر، قصبتها بيت المقدس، وكورة عمواس هي ضيعة جليلة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس(معجم البلدان ،المجلد 4 ،ص 157).
استمرت الرحلات إلى فلسطين، ففي القرن الثامن كان ابن بطوطة (703 -779 ه) الملقب بأمير الرحالين قد زار فلسطين وأقام فيها في طريقه إلى الحج مرات عدة، وفي كتابه"تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"وصف دقيق لجغرافية فلسطين. ومن جغرافيي القرن الثامن الهجري أيضاً برهان الدين بن فركاح، وقد خصَّ فلسطين في اثنين من كتبه بقدر كبير ووافٍ في مجالي الجغرافية التاريخية والآثار المختلفة، ووصق في كتابه " باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس" بقوله: " والأرض المقدسة التي ذكرها الله تعالى في القرآن، فقال تعالى: [إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ] [الأنبياء: ٧١] هي أرض بيت المقدس" (ابن الفركاح ،2010،ص36)
توالت الرحلات والكتابات من جانب الجغرافيين والمؤرخين المسلمين خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين، فكان كتاب "الانس الجليل بتاريخ القدس والخليل" للمؤرخ الباحث مجير الدين الحنبلي المقدسي (860 -928 ه) من أهم الكتب التي وصفت القدس والخليل والحروب التي دارت هناك، وتمت عملية تسجيل لوقائع مختلفة في تلك المناطق ومنها عمواس وقال: هي التي سمي بها الطاعون على الراجح لأنه منها ابتداء، وهي بالقرب من رملة فلسطين(مجير الدين ، ص 222)
وفي كتاب تاريخ القدس منذ الفتح العربي يذكر الدكتور أحمد الدجاني: "ونجح عمرو بن العاص في فتح معظم أرض فلسطين , غزة وسبسطية ونابلس ، ثم اللد ويُبنى وعمواس وبيت جبرين و يافا و رفح ، ثم حاصر القدس ( د. أحمد صدقي الدجاني ، تاريخ القدس منذ الفتح العربي ، الصفحة 7)
لكن فلسطين، ومن موقعها الجغرافي أيضا، لم تكن محط أنظار هجرات قبائل وشعوب للاستقرار بها، ولا نقطة تبادل تجاري وحضاري فحسب، بل كانت أيضا ممرّا للجيوش في حملاتها المتبادلة وساحة للمعارك بين العمالقة. لذلك، وطوال تاريخها، وكجزء عضوي من بلاد الشام، ظلت عنصرا مهما في الصراعات أو التحالفات الداخلية فيها. (شوفاني،1949، ص4)
مما تقدم يظهر أن موقع فلسطين الجغرافي المهم، وكثرة المقدسات فيها، والنشاطات المختلفة لأهلها من صناعة وزراعة وبناء، جعلها حاضرة في أهم كتابات الرحالة المسلمين خلال القرون الماضية، الأمر الذي يتطلب من مراكز البحث الفلسطينية والعربية على حد سواء إعادة البحث في مزيد من الكتابات التاريخية والجغرافية حول فلسطين وترجمتها الى لغات عدة ونشرها لدحض الأفكار الصهيونية التي تحاول تزييف تاريخ فلسطين العربي والإسلامي.
ويعتبر الحاج الفرنسي أركولف أول رحالة غربي زار بلاد الشام عقب الفتح الإسلامي للمنطقة ، قام بزيارة فلسطين في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي / الأول الهجري. كذلك تعرض اركولف لوصف الكثير من المواقع الهامة في بيت المقدس على وجه التخصيص[1] . وتحدث أركولف عن خصوبة المزروعات وخاصة القمح والشعير في المدينة المقدسة ، هذا إلى جانب أشجار الزيتون والكرمة[2].
وقد قام الراهب الفرنسي برنارد الحكيم برحلته إلى مصر وفلسطين في الفترة الواقعة بين سنتي 867- 870 م، ويبدو أنه حضر إلى مصر أولا ومنها دخل فلسطين سنة ٨٧٠ م، ومر بمدينة غزة ووصفها بأنها مدينة غنية بجميع الأشياء. وبعد ذلك مر بقلعة الرملة وبعدها بقلعة عمواس ومنها إلى بيت المقدس. (السيد، 1995 ، ص 148).
وتعتبر رحلة الحاج الروسي دانيال الراهب في الأراضي المقدسة من المصادر الهامة لدراسة أحوال تلك البلاد في بداية الاستيطان الفرنجي الصليبي، فقد تعرض دانيال لمختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين خلال بداية الغزو الفرنجي الصليبي. وتكمن أهمية هذه الرحلة في أنها جاءت مع بداية مرحلة جديدة في حياة الشرق الإسلامي بوجه عام والأراضي المقدسة بوجه خاص. وعلى الرغم من بعض الملاحظات التي أبديناها على الحاج الروسي دانيال الراهب، إلا أن ذلك لا يقلل من أهميتها وفائدتها ، فضلا عن أنه تحدث عن قرية عمواس خلال رحلته عام 1107م
[1] : انظر : محمود سعيد عمران : ١٩٨٧ م ، ص ٣١١.
[2] : موسى، سليمان ؛ رحلات في الأردن وفلسطين .1984،ص14
[1] : قد اتهمه دوزيه بانه كان جاسوسا فاطميا، ونهج الزركلي نهج دوزيه فقال "ويقال: كان عَيْناً للفاطميين" (الزركلي: الأعلام، 6/111).