حسين أحمد محمد علي سليمان المعروف بـ حسين اليماني وزوجته سعيدة الحاج عبد الرحيم قدورة
عائلة اليماني في سحماتا هي جزء من عائلة سليمان، وقد بدأت كنية (اليمني ) بالظهور مع أحمد محمد علي سليمان الذي خدم مع الجيش التركي في اليمن مدة قاربت الخمسة عشر عاماً، لم يكن أهله خلالها يعرفون عنه شيئاً. ولكنه عاد بعد غياب طويل مع من عادوا، وراح يقص على أهل قريته سحماتا ما شاهده في تنقلاته، وما يتمتع به أهل اليمن من صلابة وكرم، رغم شظف العيش الذي يعانونه. وقد التصقت به هذه الكنية (اليمني) ولازمته بقية عمره وورثها عنه ابنه حسين، وكذلك قعل أحفاده، إلا أن حفيده أحمد (أبو ماهر) قد أورثها لأبنائه مع تعديل بالكنية من (اليمني) إلى (اليماني)، كما سجل في مذكراته.
أحمد حسين اليماني (أبو ماهر)
وقد تزوج حسين اليمني (أبو أحمد) في سحماتا من سعيدة الحاج عبد الرحيم قدورة وانجبا عشرة من الأبناء ( سبعة ذكور وثلاث بنات): أحمد، ماهر، نظيم، نظمي، محمد، برهان،هاني، نظمية (اسمهان)، هنية، ونعامة. وكان للعائلة بيت كمعظم بيوت أهل القرية ، كان واسعاً قائماً على أربعة قناطر حجرية، تحمل السقف، وقن للدجاج، ورف للحمام، واسطبل للدواب. وكانت الأم سعدة قدورة تخرج مع فجر كل يوم، مع جاراتها، إلى الأحراج لكي بجلبن الحطب للتدفئة والطهي، يحملنه على رؤوسهن مسافات طويلة.
كان للعائلة سمعة طيبة بين كل أهل البلد وعاشت معهم السنوات الطوال بحلوها ومرها، حتى حلت النكبة على أهل البلدة وتعرضت للقصف والعدوان من العدو الصهيوني كغيرها من البلدات.
بعد القصف لجأ معظم الناس إلى كروم الزيتون، أما عائلة حسين اليمني فقد لجات إلى مغارة في كرم زيتون قرب المنزل الذي أصيب لاحقاً بقذيفة غارة جوية استهدفت القرية. عرض الوالد على ابنه البكر أحمد أن يأخذ أخته وأخاه الكبيرين ويغادروا القرية على أن يبقى أبو أحمد مع الأم والصغار في سحماتا.. رفض أحمد اليمني طلب والده رفضاً قاطعاً وأصر على البقاء في القرية، لأنه رأى في جولة سابقة له أحوال اللاجئين الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى ولا طعام في مناطق اللجوء لا سيما في لبنان.. كذلك رفضت الوالدة أم أحمد مغادرة البلد وترك ابنها أحمد فيها قائلة: ( نفضل الموت ولا نترك أحمد وحده)، وانتهى النقاش إلى بكاء الجميع على ما دار في هذا الحوار، وتم الاتفاق على التوجه إلى كفر سميع بدلاً من مغادرة فلسطين.
غادر حسين اليمني سحماتا على أساس أنه متوجه إلى كفرسميع عند بعض معارفه من آل فلاح وبقيت زوجته وطفلها الرضيع مع الابن البكر أحمد في سحماتا.. وفي الطريق أرسل أبو أحمد ابنه هاني إلى أخيه أحمد ليعلمه أن والدهما سيتوجه إلى عين طريا بدلاً من كفر سميع حيث يوجد نبع ماء ويساتين وبيت غير مأهول يمكنه المكوث في بدلاً من الإثقال على الأصدقاء.. وفي طريق اللحاق بالوالد، أصيبت هنية برصاصة طائشة في أصبع قدمها، كان العدو الصهيوني يطلقها بشكل عشوائي.
هاني حسين اليماني
كان أحمد اليمني يقوم بمهمات أمانة سر اللجنة المركزية التي قامت للدفاع عن القرى الفلسطينية، وكان يسهم بتعبئة المقاتلين وتشجيعهم، وإرسال النجدات التي يطلبها قادة قوات جيش الانقاذ، كما قام بمرافقة المجموعات التي توجهت إلى قرية معليا، استعداداً لمهاجمة قلعة جدين التي كانت مركزاً لتجمع القوات الصهيونية بينما كانت تستعد لمواجهة القرى الفلسطينية. وقد جاء هاني اليمني يوماً إلى مركز التجمع الذي أعدته قيادة جيش الانقاذ في القرية وكان بلا سلاح، فأصر على أخيه أحمد بأن يعطيه سلاح (الستن) ليحل محله وإلا بقي في القرية أعزلاً بلا سلاح، فاستجاب له أخوه وأعطاه السلاح.. نشير إلى أن سلاح الـ (ستن) هذا كان والدهما حسين قد اشتراه من أهالي السميرية وهم في طريقهم إلى لبنان بمبلغ 6 جنيهات فلسطينية وأعطاه لابنه أحمد، محتفظاً لنفسه بالبندقية القديمة التي كان قد اشتراها خلال ثورة الـ 36.
وقد حضر أحمد اليمني اجتماعاً في البقيعة مع العقيد يوسف كمال عضو اللجنة المركزية بحضور عدد من وجهاء البقيعة وسحماتا، وتبين أن جيش الانقاذ قرر الانسحاب ولم يجد المجتمعون خياراً سوى أن يعود كل إلى منزله.. وعندما عاد أحمد إلى البلد مع بعض الوجهاء وجدوا أن العدو قد دخل إلى البلدة.
أخذ العدو أحمد اليمني والحاج هاشم قدورة وخالد محمود قدورة رهائن، واوثقوهم على مقدمة الدبابات وساروا بهم باتجاه البقيعة.. ثم عادوا بهم لاحقاً إلى ساحة البلد، فكوا قيودهم وأنزلوهم عن الدبابات وحجزوهم في دكان أحمد عبد القادر (سلمون) حتى الصباح.. وفي اليوم التالي اعتقل العدو مزيداً من الأهالي وجمعوهم في منزل عبد الوهاب سلمون وكان من بين المعتقلين حسين اليمني وابنه هاني إضافة إلى أحمد.
أطلق سراح معظم المعتقلين وبقي مجموعة قليلة منهم أحمد اليمني وتعرضوا للتعذيب ونقلوا إلى ترشيحا، ثم نقلوا بعد فترة بعدها إلى قرية المنصورة على الحدود اللبنانية الفلسطينية وأطلق سراحهم. وعند وصول أحمد اليمني إلى رميش عند آل الخوري التقى بخاله جميل ومعه ابنه رزق فأخبره بأن أهله قد وصلوا إلى ميناء طرابلس شمال لبنان.
وبالفعل فإن العائلة كانت قد مضت في رحلة شاقة من سحماتا إلى الرميش، لم يأخذوا معهم غير لحافين وبعض البطانيات والحمارة. ثم من الرميش إلى صور ونزلوا في مخيم الصليب الأحمر حيث كان يوزع عليهم الخبز والبطانيات، ولما أصبح لديهم ما يكفي من البطانيات باع أحمد اليمني اللحافين حتى يتمكن من شراء بعض الحاجيات. وبعد أيام طلبوا منهم أن يصعدوا إلى القطار ليتوجهوا إلى سوريا، وبعد ساعات من السفر وصل القطار إلى محطة ميناء طرابلس ولم يعد يتحرك.. بقوا في القطار لعدة أيام لأن سوريا اكتفت بأعداد اللاجئين لديها ثم نقلوهم إلى عنابر الميناء.
بعد الإقامة فترة من الزمن توجه حسين اليمني (ابو أحمد) عائداً إلى فلسطين بحثاً عن أحمد، جاء ذلك بعد حلم رآه ابنه برهان كان يردد فيه وهو نائم: ( أخوي أحمد مات، اليهود قتلوا أخوي أحمد) وراح يبكي وهو نائم. . قرر الوالد أن يعود إلى فلسطين للبحث عن أحمد ولم يشأ أن يخبر بقية الأولاد بذلك، فطلب من زوجته أم أحمد أن تبلغ الأولاد بأنه وجد عملاً في الجبل وسيعود بعد أسبوعين. ولكن أبو أحمد انطلق باتجاه فلسطين بعدما اعترف العدو بأن أحمد اليمني كان أسيراً لديه، فقد راسل أبو أحمد الصليب الأحمر ليستفسر عن مصير ابنه، فجاءه الرد من الصليب الأحمر برسالة يعترف فيها العدو أن أحمد كان أسيراً لديه تحت الرقم 4145 بتاريخ 8 كانون الأول 1948.. لم يعثر أبو احمد على ابنه في فلسطين بل إن أحد الأشخاص أبلغه كاذباً أن ابنه أحمد قد قتل أثناء محاولته الهرب من المعتقل، فعاد الأب حزيناً إلى لبنان عبر رميش حيث التقى بمحمد سليم قدورة الذي أخبره أن ابنه أحمد عاد وتوجه إلى طرابلس..
وبالفعل كان أحمد قد توجه قبل ذلك بأيام إلى طرابلس، وعندما وصل إلى العنابر المخصصة للاجئين رآه أخوه هاني فراح يجري ويصيح: " يما .. أخوي أحمد.. يما أخوي أحمد رجع " فاندفع الإخوة والأخوات نحوه وهم يبكون ويصرخون أخونا أحمد رجع.. فخرجت أمه سعدة من العنبر وهي تجري نحوه تزغرد وتبكي وتحمد الله، وضمته إلى صدرها وطوقته بذراعيها وأدخلته إلى العنبر. وقد اجتمع شمل العائلة بعد ذلك في طرابلس، ولعب أفرادها أدواراً وطنية مميزة على مدى العقود التالية.
ففي 18/10/1966 شارك محمد اليماني في عملية عسكرية باسم منظمة أبطال العودة قادها محمد حسن عساف وشارك فيها كل من سعيد العبد سعيد، وسكران سكران إضافة إلى محمد اليماني.. استشهد في هذه العملية محمد اليماني ورفيقاه سعيد ورفيقاه، وأسر سكران سكران.
ومحمد وهو من مواليد سحماتا 1939، كان قد انتقل للإقامة عند أخيه أحمد في عين الحلوة مع أخويه نظمي ونظيم.. تابع دراسته الابتدائية والتكميلية في عين الحلوة، وانتظم في الكشافة حتى أصبح قائد فرقة عبد القادر الحسيني الكشفية..
الشهيد محمد حسين اليماني
متزوج وله ولدان، هيثم وكان عمره عند استشهاد والده ثلاث سنوات ونصف، وخالد وكان عمره عند استشهاد والده سنة ونصف السنة..
شارك في الانتفاضات الشعبية في لبنان بجرأة وشجاعة، وكان محرضاً فذاً وقائداً بارزاً قاد العديد من المظاهرات. اعتقل أكثر من مرة، من قبل السلطات اللبنانية ودوهم ببيته في مخيم البداوي عشرات المرات من قبل عناصر المكتب الثاني، ليساق إلى أروقة المخابرات للتحقيق معه. انضم إلى حركة القوميين العرب وكان من أوائل الذين قاموا بعمليات استطلاعية ومسح للأرض المحتلة وذلك قبل نشوء العمل الفدائي عام 1965.
حسين اليماني في الوسط يتقبل التعازي بابنه الشهيد محمد
أما أحمد اليماني (أبو ماهر) فهو مواليد العام 1924، تخرج من الكلية العربية في القدس، وعمل في دائرة الزراعة الحكومية في عكا، وفي دائرة الأشغال العامة في حيفا.
تولى منصب أمين سر النقابات المركزية لعمال وموظفي دائرة الأشغال العامة، وشغل منصب أمين سر فرع جمعية العمال العربية الفلسطينية في يافا، وفي حيفا عمل على تنظيم نقابات جمعية العمال العربية الفلسطينية.
ومارس مهمات على الصعيد الشعبي في فلسطين قبل النكبة فكان أميناً لسر اللجنة الشعبية المحلية لقرية سحماتا وأمينا لسر اللجنة المركزية في لواء الجليل الأعلى. عمل مدرساً ومربياً في العديد من المدارس في لبنان.
تزوج ورزق بثمانية أولاد: ماهر، عصام، مهند،ثائر، فادي، هيفاء، فداء، وأمل. في المجال العسكري شارك في تأسيس المنظمة العسكرية لتحرير فلسطين في العام 1949، وكان أحد مؤسسي الفرع العسكري في حركة القوميين العرب، بالإضافة إلى مشاركته شارك في تأسيس شعبة فلسطين في حركة القوميين العرب "الشباب العربي الفلسطيني"، و كان عضو قيادة الفرع الفلسطيني في الحركة.
وساهم مع جورج حبش ومصطفى الزبري ووديع حداد وسواهم، في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في العام 1967 ، وتوفي في بيروت بتاريخ 4/1/2011 بعد معاناة مع المرض.
معظم المعلومات مستقاة من مذكرات أبو ماهر اليماني ومقابلاته الصحفية