أصل عائلة قرطام
ولد طيب الذكر منصور قرطام في في حارة الهوارة ببلدة شفاعمرو سنة 1920م لعائلة تعود سلالتها إلى السادة الأشراف الحسينيين حيث تشير المراجع إلى أن جدهم الأعلى هو السيد إبراهيم الشهير بأبي قرطومة الحسيني الذي تمتد جذوره الى الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الشهيد أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حسب ما اورده ولده العلامة ابي الفضل في تدوينه لسيرته الذاتية.
وقد اختلفت اسماء العائلة حسب لهجات البلدان التي اقامت فيها، فمثلا تعرف هذه العائلة بمصر باسم قرطام وفي إيران – أصبهان – تعرف باسم قرطم وفي لبنان تعرف عند اللبنانيين باسم قريطم وعند الفلسطينيين في لبنان أيضا باسم قرطام وفي فلسطين بمدينة حيفا تعرف بأبو قرطومة وقرطام وفي مدينة شفاعمرو تعرف باسم قرطام .
وقد وصلت عائلة قرطام المقيمة في مدينة شفاعمرو اليوم إلى فلسطين عن طريق مصر بصحبة المجاهد الغازي الناصر صلاح الدين الأيوبي "رحمه الله " الذي استقر في هذه المدينة الصغيرة آنذاك لمدة عام، وأقام فيها فسطاطه لموقعها الاستراتيجي وقُربها من الساحل وتوسطها طريق الجبل من إصبع الجليل. وحسب المؤرخين فقد كان يسكن شفاعمرو انذاك الدروز والنصارى فقط، وكان صلاح الدين أول من أدخل المسلمين إليها وذلك لأسباب إستراتيجية.
تزوج منصور قرطام بسليلة الحسب والنسب لطيفة بنت زهرة بنت سعد الدين جلال الدين بن السيد حسن جلال الدين بن السيد حسين جلال الدين بن السيد علي جلال الدين نقيب أشراف صيدا بن السيد حسين جلال الدين نقيب أشراف صيدا كما هو موضح في الوثيقة التي أصدرها مفتي صيدا الشيخ محمد سليم جلال الدين بتاريخ 26 ربيع الثاني 1417 هجري الموافق 19 أيلول 1996 م.
مجاهد يافع في ثورة القسام
كان منصور قرطام من خيرة ابناء شفاعمرو المجاهدين. وقد كتب عنه نجله العلامة ابي الفضل، انه "تشرب حب الوطن والجهاد والشهامة والكرامة وحب الناس، لا سيما المساكين، رضاعة من ثدي امه، فبدأ طفولته والوطن يتآكل أمام عينيه من كثرة المؤامرات التي تحاك ضده، فلم يذق طعم تلك الطفولة متجاوزا مراحلها بكل ما تحمل من براءة ومعاني إلى ممارسة وتطبيق الرجولة الفعلية بأقصى مراحلها من خلال تحمله لأعباء الحياة رغم صغر سنه. بدأ عمله الجهادي كعين ساهرة تنقل أخبار العدو الانجليزي إلى المجاهدين، وفي عام 1934 التحق بثورة الشهيد عز الدين القسام، فتعلم منه مبادئ العلوم الشرعية وأخذ عنه الطريقة الشاذلية وتأثر به كثيرا، لا سيما شجاعته وبراعته في مقاومة المحتلين، زيادة على ما جُبل عليه في حجر والده".
ويشير المؤرخون الذين كتبوا عن ثورة القسام، ان منصور قرطام كان مجاهدا في فصيل شفاعمرو الذي قاده المجاهد مفلح علي حمادة والذي تولى مهاجمة المستعمرات اليهودية. وكان هذا الفصيل يضم المجاهدين صالح يوسف الخطيب وصالح قاسم الخطيب وجميل صادق الخطيب وزايد خازم ومنصور قرطام وخضر أبو العلا وأخيه محمد، وإبراهيم أبو جليل وابن عمه حسين، وحسن نمر حسين وخالد الحردان وحسين علي إبراهيم ورجا أبو غنيمة وأحمد أبو عجاج وحسين إسماعيل أبو الهبز وأحمد يوسف الحسن والحاج طيب أبو زيد وحمادة برغيث وحسن برغيث وأولاد الشيخ حسن الخضر وعبد السلام الشحبري ومحمد الحسين ومحمد شعبان وغيرهم عشرات من الثوار.
ويواصل نجله سرد سيرته فيكتب" "على الرغم من ان الذين عمل معهم يتجاوزونه سنا بل هم في مقام والده، فقد أبلى بلاء حسنا، وبعد استشهاد الشيخ المجاهد عز الدين القسام، اتصل منصور قرطام بكثير من رموز الثورة العربية عارضا عليهم نفسه وما يملك، وعلى رأسهم عبد القادر الحسيني ومفتي فلسطين الحاج محمد امين الحسيني. وبدأ قرطام عمله كرسول بين قادة الثورة العربية على أرض فلسطين، مستفيدا من صغر سنه مع همته العالية، مما اكسبه خبرة كبيرة بمعرفة المناطق الفلسطينية من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، إلى ان جاءت معركة المالكية الشهيرة سنة 1948 على الطريق المؤدية إلى حيفا، فكان منصور احد ابطالها. فلاحقه الجيش البريطاني والعصابات اليهودية وصار من المطلوبين والمطاردين، ونشر اسمه كمطلوب في وسائل الاعلام المكتوبة آنذاك. وبعد أن ضاقت به السبل وكان ما كان من انهزام الجيوش العربية، وبعد فقدان أهم رفاق دربه، هاجر مع اسرته إلى لبنان، برفقة والده وشقيقه مصطفى وشقيقتيه لطفية وصبحية وزوجه السيدة الفاضلة شريفة الحسب والنسب لطيفة حسين يوسف رحمها الله، وابنتيه آمنة وفدوى. وكانت زوجته حاملا فانجبت في الطريق ولدا اسماه حسن، نسبة إلى شقيق جده الحسين عليهما السلام.
وبعد رحلة من المعاناة استقر به المقام في منطقة البقاع اللبناني، تحديدا في مخيم ويفل، قرب مدينة بعلبك، وهناك التقى بالولي الصالح السيد حسن الرفاعي، وآخذ عنه الطريقة الرفاعية، وكذلك لازم الولي الصالح السيد عبدالله احرار النقشبندي الديرزوري، رحمه الله، وانتفع به غاية الانتفاع، وأذن له بالتلقين بعد أن أخذ عنه الطريقة النقشبندية. وكذلك اجتمع بالولي الصالح السيد علاء الدين سراج الدين النقشبندي الحنفي، سليل العترة الطاهرة، وبعد أن تحصل على هذه الخيرات مع استقرار نسبي من المعاناة التي اصابت شعبنا الفلسطيني، توفي والده رحمه الله في بعلبك، وعاد شقيقه مصطفى إلى شفاعمرو"، وقد توفي فيها في العام 2008.
بعد عودة شقيقه مصطفى إلى فلسطين، انتقل منصور قرطام إلى مدينة طرابلس، وسكن مع اهل بلدته في مخيم البداوي، وبعد ان استقر به المقام في شمال لبنان، شكل مجموعة جديدة من رفاق دربه وعاود الاتصال بالحاج امين الحسيني رحمه الله، وبدأ مرحلة جديدة من نشاطه الفدائي. وفي سنة 1962، وبسبب كثرة الوشاية به من قبل المتعاونين مع دائرة الشعبة الثانية في ذلك الوقت، تعرض للاعتقال وأودع في ثكنة الحلو بمدينة بيروت. وبعد تدخلات عربية مكثفة بادر إليها الحاج امين الحسيني أفرج عن منصور قرطام ورفاقه المعتقلين، لكنه واصل التعرض للمضايقات والترهيب باعادته إلى السجن، الا انه حافظ على اتصال مع الحاج امين الحسيني، وبعد انطلاقة الثورة الفلسطينية طلبت منها قيادتها الالتحاق بها، فأذن له الحاج الحسيني، وانضم إليها وكان احد مؤسسي القطاع الغربي الذي ضم كمال عدوان وخليل الوزير وأبو يوسف النجار (استشهدوا لاحقا في عمليات للموساد الاسرائيلي) وكان من المشرفين على قوات الجند المتطوعين من الأتراك وغيرهم من المسلمين، الذين كانوا يقومون بأعمال جليلة وحساسة في تاريخ الثورة الفلسطينية من خلال تنفيذ العمليات الجهادية داخل فلسطين المحتلة وخارجها. وكان على رأس هؤلاء قاسم أبو خضرة الذي استشهد في سجون الاحتلال الاسرائيلي بعد عدة عمليات جريئة قادها داخل منطقة 48 المحتلة، لا سيما العمليات التي كانت تأتي عن طريق البحر، مثل عملية نهاريا، وجزر السمسم الاخضر وغيرها. وكانت هذه المجموعة تعرف باسم مجموعة 778.
تعرض منصور قرطام للاعتقال في كثير من الدول، وذاق شتى انواع التعذيب والتي بقي أثر بعضها حتى تاريخ اغتياله، وكل ذلك بسبب مواقفه الجريئة والوطنية المشهورة والتي كثيرا ما ادت به إلى الانعزال في بيته، لكنه كان يرجع إلى حلبة النضال بعد تدخل الغيورين على المصلحة الوطنية، ليظهر بعدها صحة موقفه.
استشهاده
واصل منصور قرطام عمله الجهادي بين الوطن الام والدول المحيطة به، لا يشعر به احد الا الليل بنجومه والبحر بسكونه المخيف وهيجانه العنيف، ومجموعة الغرباء الذين كان يشملهم بعطفه محاولا تعويضهم عن البعد عن الاهل والديار. وفي 21 شباط 1973 فاجأته مجموعة من قوات الموساد الاسرائيلي التي تغلغلت في لبنان بقيادة ايهود باراك وذلك بعد عملية انزال الكوماندوس الشهيرة على شمال لبنان، وتحديدا على مخيمي البداوي ونهر البارد. وكان قرطام يتفقد حينها المقاتلين، فداهمته قوة الموساد واطلقت عليه النار فاصيب بجراح مثخنة. وكان يعتقد انه تعرض للاغتيال بسبب مواقفه إلى ان تم ابلاغه بأن فرقة اسرائيلية هي التي نفذت الجريمة. وأصر قرطام وهو على فراش الموت على طلب تأكيد الخبر من احب الناس اليه، وهو الفاضل أبو محمد الشنطي، الذي كان يعتبر محل ثقته وحامل سره، فأكد له الخبر، فاطمأنت نفسه وفاضت روحه الطاهرة إلى باريها ولسان حاله يردد: "عندما لا يعرف الانسان من هو، يخسر نفسه".
ويشهد ابنه، انه كثيرا ما كان يردد هذه العبارة في حياته، وبها ختم عند مماته، وكان عمره 53 عاما.
عاش منصور قرطام متواضعا ومات متواضعا ورسم للسائرين على دربه مثالا يحتذى به في السلوك والتواضع وانكار الذات حتى اصبح معروفا عند الصغار والكبار والنساء والقريب والبعيد، وكان لا يميز نفسه عن المقاتلين من كثرة تواضعه، وكذلك كان حاله مع عموم الناس لا سيما المساكين والغرباء.
شيع جثمانه الطاهر مع جثامين رفاقه الشهداء في جنازة مهيبة حضرها قادة الثورة الفلسطينية وعلى رأسهم القائد الراحل ياسر عرفات، الذي شكلت مشاركته في جنازة الشهداء أول ظهور له في شمال لبنان، عامة، وفي مخيم البداوي، خاصة. "