أنا جميلة إبراهيم حسن من قرية أم الفرج. القرية عبارة عن بيوت، كان في أمام بيتنا نخلة.
لم يكن هناك مدرسة في القرية، ومن كان متعلم كان يتعلم فقط القرآن، كان هناك شيخ يعلم الأولاد قرآن، كان يأخذ رغيف خبز الولد ويذهب ويسلم على الشيخ ليتعلم القرآن.
ومن يمرض كان يذهب على حيفا، وكان هناك دكتور إسمه حمزة، من يمرض يذهب إلى هناك.
كنا نضيء البيوت باللوكس والكاز، وفي فترة ما كنا بالليل نسمع أصوات خطوات أقدام، في الصباح نخرج فنرى آثار أقدام جنود يعتقد أنهم يهود، فلم نعد نجرؤ على إنارة البيت ليلاً، فصرنا نضيء شمعة صغيرة ونضعها بجانبنا بالليل.
كان في القرية مسجد، لأن الشيخ كان يصعد ويؤذن على السطح، والشيخ هو جدي والد أبي. ولم يكن هناك كنيسة. وكان بالبلد دكانة، كان يذهب الرجل يصلي بالجامع بداخل البلد ويحضر أغراض من الدكانة ويأتي.. ولم يكن هناك قهوة.
ونحنا صغار كان الشباب يعلبون بالجلل والبنات تلعبن بالبيوت عند أهلها.
لم يكن هناك بالقرية مختار. لم يكن هناك وجهاء كثر، ولكن من كان يملك بعض المال كان حاله مثل حالة الشيخ ويُعد من الوجهاء.
لم أخرج خارج القرية ولم أزر أي قرية أخرى.
وفي رمضان كنا نجلس نحن العائلة كلها نأكل ونشرب، ونقوم بالليل نذوب لبن وزوجة عمي تطبخ أرز بالليل وعلى السحور نأكل أرز ولبن ونشرب ماء وننام.
كنا نذهب لنقطف خبيزة وعلت ونطبخه ونأكله.
وبالعيد كنا نلبس ملابس جديدة ونحضر اللحمة ونأكل ونعيّد على بعضنا، ما كان في ناس كثر تذبح، كان الناس أغلبهم فقراء.
واذا أراد الشاب بنت معينة، كان أهله يذهبون اليها ويرونها، وإن أعجبت أهله يطلبوها من أهلها، وعند الزواج يكسوها ملابس ويحضروا خوانة لها، وعند الزواج يذهبوا ليأخذوا العروس من أهلها وهم يغنوا لأهلها ولأهله ومن له قدرة يصنع الطبيخ للعرس.
كانوا أول يوم تغرم العروس عند أحد البيوت، فيأخذوها عند العروقة وتنام هناك وعند الصباح يغسلوا العروس ويجملوها، ويأتي أهل العريس يحضروا الأكل لأهل العروس، ويزفوها، وعند المغرب يأخذون العروس ويعطوا وجهها ويأخذوها الى بيت زوجها.
من أغاني أهل العريس: «يا أم العريس مبارك ما سويتوا..»
كان في مقبرة بالقرية، كانت للقرية، وكان في عنا بساتين كثيرة ولكمن حالتنا كانت فقيرة كثير.
وكان أصاحب البستان يجمع الليمون ويضعهم على الحمار ويذهب الى عكا، ويبيعهم وقبل العودة يشتري أغراض لبيته. كنا نشتري ملابس مرة واحدة بالسنة من شدة الفقر.
ومن كان يشتري رأس غنم صغير يربيه ويبيعه، وكذلك الدجاج كانوا يربونه ويبيعوه.
وسبب خروجنا من القرية هو أن اليهود كانوا يأتوا بالليل الى القرية والى البساتين، فتحدث مناوشات،. كنا نخاف من اليهود ومن دخولهم علينا وتتطور الامور الى قتل واختطاف، هذا ما أخرجنا من القرية.
كان في واحد عنده عصابة (فياض وزوحته أنيسة)، كان فياض يبعث زوجته على أساس أنها تحمل حملة حطب على رأسها ويهرب وبين الحطب سلاحاً لمقاتلة اليهود، فيهاجموا اليهود ويتبادلوا اطلاق النار الى أن قتل اليهود رجل منهم. وفي إحدى المرات وجد فياض يهودي فقتله وكسر رجليه ويديه ودفنه.
ولما خرجنا من أم الفرج غادر معظم أهالي القرية، ذهبنا الى جنوب في لبنان، جئنا بسيارة نحن ودار ستيتية. وصلنا بالمحشون ووضعونا بغرفة هناك فيها قبر، وخفنا أن ننام فيها، فأكملنا الى الراشدية. كان الوضع سيء، زوجي وصبري كانوا يذهبون للتحطيب، الغرفة التي كنا نعيش فيها بلا سقف، وصار زوجي كل يوم يذهب ويحضر الحطب ويسقف السقف ثم جئنا الى غرف الأرمن، أنا كنت قد ولدت أحمد وعزات حديثاً.
عند خروجنا من فلسطين أحضرنا مفتاح البيت على أساس أسبوع ونعود وها نحن الى الآن نرقد هنا. لم أزر فلسطين بعد خروجنا، ولكن كان بعض الرجال يذهبون الى فلسطين عبر طرق التهريب (ياخذوا الأرز والسكر للمتاجرة بها).
«إذا قالوا لي إرجعي الى فلسطين أعود، ياريت أرجع.. أرجع الى البستان وآكل من ثمر أشجارها.. لا أقبل التعويض عن فلسطين.. أريد العودة الى بلادي».