حادي فلسطين يوسف حسون (أبو العلاء)
شاعر القضية الفلسطينية
بقلم: أحمد الحاج علي
في العام 1928 كانت قرية شَعَب وفلسطين على موعد مع ميلاد شاعر من كبار شعراء فلسطين أحيا بشعره تراثاً فلسطينياً كاد أن يندثر وصنع ألواناً فنية عديدة أصبحت تراثاً للشعب الفلسطيني فيما بعد؛ إنه الشاعر الفلسطيني الكبير يوسف حسّون (أبو العلاء). عرف أبو العلاء كبقية الفلسطينيين شظف العيش ولكن ذلك لم يثنِهِ عن المثابرة لنهل المعرفة وطلب العلم. فدرس في مدرسة شَعَب، ولكن لم تكن المدرسة سبيله الوحيد لطلب المعرفة، فعقله واستيعابه كانا أكبر بكثير من أن ينحصر في منهاج دراسي محدّد، فكان يلتهم الشاعر يوسف حسّون كل ما يقع بين يديه من كتب وكرّاسات. وممّا يحكى عن طفولته أنه نزل وابن عمته إلى مدينة عكا وباع بقرة تخص أبيه، وكل ذلك ليشتري كتباً يثقف فيها نفسه فكانت ثقافته بجهد شخصي جبار منه. ولم يكن غريباً على من كانت الثقافة والمعرفة دأبه وغايته أن يقول الشعر وينظمه نظماً عجيباً ولم يبلغ الثالثة عشرة من عمره بعد.
ومن أولى القصائد التي ذاع صيته من خلالها قصيدة يمدح فيها شيخ الطريقة الشاذلية والتي كانت منتشرة في شَعَب وقتذاك. وكان من شدة تعلقه بالفن والعزف أن يضع الأسلاك بجانب بعضها ويعزف عليها ليحدث نغماً جميلاً.
وكان يوسف حسون في طفولته يواظب على الأعراس التي يحضرها كبار الشعراء، وخصوصاً تلك التي كان يحضرها الشاعر أبو سعيد الحطيني، أشعر شعراء الزجل في ذلك الوقت. وفي أحد أعراس شَعَب سنة 1942، وبينما كان الحضور يتحضّرون لسماع الشاعر أبو سعيد الحطيني صاح الشاعر يوسف حسون من بين الحضور، وكان لا يتجاوز الثالثة عشرة، ببيت عتابا أثارت إعجاب الحاضرين:
حبيبي جهد ما يبعد بعيدو (البعد)
نغم لو كل ما عجبني بعيدو (الإعادة)
وضحية إن كان لازملو بعيدو (العيد)
أنا الضحية لأجل عينو والهداب
وما إن سمعه الحطيني حتى انتفض من مكانه وقرّبه إليه وأجلسه إلى جانبه وقال: إن العتابا في فلسطين بألف خير، والتفت إلى يوسف حسون وقال: تابع معي. وصار يأخذه معه إلى الأعراس، ممّا أعطى الشاعر يوسف حسون قوة معنوية كبيرة كان بحاجة إليها، ومن شدة رواجه قال له الشاعر الحطيني مازحاً: ركّبناك على الحمار مدّيت إيدك على الخرج، وأردف قائلاً وبإعجاب: اشهدوا بشاعرية هذا الطفل، وأحسّ يوسف حسون بمكانته بين الشعراء ممّا حدا به أن يستعير (قمباز) جدّه، وذاعت شهرته على مستوى الوطن.
الوجود الصهيوني في فلسطين كان أكثر ما يثير حمية وغيرة هذا الشاعر المرهف الحس، فشارك الشاعر بالقتال مع حامية شَعَب والذود عنها خلال نكبة 1948، وكان لخروجه من شَعَب التي أحبها وبنى فيها أجمل أيام طفولته وشبابه شديد الأثر عليه ممّا دفعه لأن ينظم قصيدة من أجمل القصائد التي وصفت النكبة وتأثيرها على أهل فلسطين وهي قصيدة (مرسال فلسطين) التي بين أيدينا..
بعد النكبة درس الموسيقى في الكونسرفاتوار الوطني اللبناني. وأثناء وجوده في بعلبك أصبح أبو العلاء واحداً من أهم المراجع الثقاة في الشعر الشعبي وخاصة العتابا، فكان يزاجل الشعراء اللبنانيين الذين كانت تربطه بهم علاقة قوية، وكان يكتب في بعلبك بمجلة (بنت العرزال) لمؤسسها حسين سلمان.
نشر يوسف حسون قصائد في مجلة (بنت لبنان) سنة 1949، ومجلة (الثأر) الفلسطينية سنة 1952. في العام 1955 كتب قصيدة (نشيد فلسطين)، وقدم عدة برامج إذاعية عبر إذاعة صوت فلسطين من القاهرة أوائل الستينات منها (فلاحين بلدنا) في 65 حلقة و(أبو عودة). و(فلاحين بلدنا) كانت تدور حول موضوع وطني بطريقة تمثيلية.
ذهب أبو العلاء إلى مصر ونال شهادته من هناك، ولكن عند عودته رفضت الأنروا توظيفه لغياب (الواسطة)، وكان مدير التعليم من عائلة فرح فكتب يوسف حسون قصيدة قال فيها:
جنوا على العلم والتعليم واجترحوا لما قضوا أن يولّى فيهما فرح
ما أنصفوا العلم بل زادوا مصائبه ويح الوكالة بئس الرأي ما اقترحوا
وأخذ القصيدة إلى دياب الفاهوم وهدّدهم بالنشر، وعلى إثرها وظفوه مع شقيق زوجته. وكان أبو العلاء متفانياً في التدريس حتى أنه كان يجلب الطلاب في الليل ويضيء لهم اللوكس، ليعطيهم الدروس ويعلمهم بعضاً من حب فلسطين وعشق المعرفة. وأصبح مديراً لمدرسة القادسية في الرشيدية ثم مدير مدرسة المجدل في تل الزعتر ومن ثم انتقل إلى الدامور.
في العام 1976 بدأ أبو علاء يقدم برنامجاً إذاعياً في إذاعة ((صوت فلسطين.. صوت الثورة الفلسطينية)) هو الأشهر في تاريخ الثورة الفلسطينية (غنّى الحادي) في 104 حلقات إلى أن وافته المنية. وقد اشتُهر مطلع هذا البرنامج الذي يقول فيه:
غنى الحادي وقال بيوت بيوت غناها الحادي
سدوا الدرب منين أفوت أفوت وأقدر بعنادي
فوق التل وتحت التل وبين الوادي والوادي
مين تسأل عنا بتندل بتلقاني وتلقى ولادي
وكذلك اشتهر أبو العلاء بـ ((يا حلالي يا مالي)) والتي فيها:
جينا على اســم الفدا نعطي الجمـاهير اليقين
بشمالنا غصن الزّتون البنـــدقية باليميــن
ولم يكن من خلال هذه البرامج فناناً عادياً بل كان حاملاً لهمّ سياسي، وكرّس برامجه لخدمة القضية، وكان يستعرض بعض الأحداث والمواقف شعراً، كما في القصيدة الشهيرة عن غولدا مائير، التي أُشيع أنها كانت تقول إنها تشعر بالنار تشتعل فيها كلما ولد طفل فلسطيني، وتتمنى أن ترفس كل امرأة فلسطينية حامل على بطنها لإسقاط جنينها:
في مرة قالت مائير كلمة عنا بتعنيها
كل ما يخلق طفل صغير نارو بتشعلل فيها
ققد أنشد ((الحسون)) الشروقي والعتابا والميجانا ولم تغِب الأرض عن كل قصائده. لم ينسَ أبو العلاء المعتقلين والمعتقلات في السجون الإسرائيلية وكان يذكر أسماء بعضهم في أغانيه الشعرية، وكذلك غنى للمقاتلين وتغنّى بالبندقية، خلّد في شعره معركة الكرامة ويوم الأرض ومجزرة دير ياسين وتل الزعتر وجنوب لبنان، لقد كان مؤرخاً صادقاً لعمليات الثورة الفلسطينية، وانتقد كامب ديفيد بأسلوبه الساخر. وكان أبو العلاء يشارك في العديد من المهرجانات العالمية كمهرجان برلين في العام 1977 والذي حظي فيه الشاعر باحتفاء قل نظيره، ومهرجان قطر، وقدّم أبو العلاء في مهرجان رام الله (قبل العام 1967) أوبريت وطنية. وكان الشاعر لشدة حماسه الوطني يقيم العديد من المهرجانات لصالح الثورة الفلسطينية، ومن تلك المهرجانات مهرجان في الجامعة العربية شارك فيه المطرب اللبناني نصري شمس الدين والمطربة سميرة توفيق. وغنى شمس الدين له:
يا طير يا طاير على فلسطين بكّير صبحها ومسّيها
سلم عليها وقلها جايين جايين نحرّر أراضيها
وغنت سميرة توفيق للشاعر:
حرّروني يا رجالي وافتدوني بكل غالي
تعامل الشاعر مع العديد من الملحنين منهم: صبحي أبو لغد، عفيف رضوان، زكي ناصيف. ومن الفنانين الذين تعامل معهم: نصري شمس الدين، سميرة توفيق، فايزة أحمد، سعاد هاشم، سمير يزبك، فهد بلاّن، غازي الشرقاوي. كما كان مرجعاً ومراجعاً لغوياً للعديد من الشعراء أبرزهم الشاعر الفلسطيني معين بسيسو.
وفي 24/10/1979 توقف قلب الشاعر عن الكلام، وفي اليوم التالي خرجت جماهير الشعبين الفلسطيني واللبناني تودّع الشاعر الثائر يوسف حسون (أبو العلاء) في موكب مهيب انطلق من أمام مسجد الجامعة العربية ليوارى الثرى في مقبرة شهداء فلسطين. وقد أعلنت الأنروا والمؤسسات الفلسطينية إضراباً عاماً حداداً على روحه. وممّا يؤسف له أن العديد من مغنّي اليوم ينسبون لأنفسهم العديد من الأبيات التي أبدعتها عبقرية أبو العلاء.
من كتاب: شعب وحاميتها
ياسر أحمد علي