آلاء قدورة – صيدا
فرق كبير بين أن نتعرف إلى قرية من قرى فلسطين من كتاب وبين مجالسة واحد من أبنائها الذين ولدوا فيها، عاشوا فيها وعرفوا كل ركن فيها، ولا يزال يحتفظ بهذه الذكريات حتى بعد مرور 63 عاماً على اقتلاعه منها على يد العصابات الصهيونية عام 1948.
الأستاذ رؤوف عبد الرحيم أيوب واحد من أبناء بلدة الراس الأحمر، قمنا بزيارته لنسجل بعض هذه الذكريات ولنتعرف أكثر إلى عائلة أيوب وخروجها من فلسطين عام 1948.
" الرأس الأحمر تقع على تلة، حوالي أكثر من 1000 متر فوق سطح البحر، تحيط بها من الشمال قريتا فارة وصلحة، من الشرق علما وشركس، من الجنوب طيطبا، ومن الغرب الصفصاف والجش، وطريق واحد رئيسي يمر في البلد متجها نحو صفد، ولكن السيارات التي كانت تمر قليلة وذلك لعدم وفرة السيارات في بلدة الرأس الأحمر، فوسائل النقل المعتمدة كانت الخيول والحمير داخل وخارج البلد، ولم يتجاوز عدد سكانها عام 1948الـ 700 بين رجل ووامرأة وطفل.
ومن العائلات التي سكنت الرأس الأحمر كانت عائلة أيوب والخطيب، حجازي، ياسين، ظاهر وابراهيم".
كان عبد الرحيم أيوب - والد رؤوف - صاحب مضافة في البلد والديوان الرئيسي بحكم كونه مختار البلدة الذي يعمل على حل مشكلات البلدة والناس إضافة إلى المهمات الروتينية، ويشار إلى أن المختار الذي سبق عبد الرحيم أيوب كان عمه أحمد الحاج علي أيوب وكذلك كان لدى آل الخطيب ديوان في الراس الأحمر ويذكر من وجهائهم محيي الدين الخطيب.
" في البلدة مدرسة من غرفة واحدة فيها أربع صفوف حتى الصف الرابع وأستاذ واحد هو حمد أبو زكرى "أبو الوليد" من صفد، وقد درست بها حتى الصف الرابع، ولم يكن لها مدير ، ومن زملائي في الدراسة كانت سميحة الخطيب، سامية الخطيب، وكايد ابراهيم، وقد كانت المدرسة تستقبل الصبية والفتيات أيضا في صف واحد.
كان سكان البلدة من المسلمين ، ولهم مسجد واحد في وسط البلد ومتوسط الحجم ويستوعب كل رجال البلد، وكان المؤذن أحمد الحاج علي أيوب.
وكان الوضع الصحي في البلدة تقليدي فالطب العربي هو الذي كان سائدا في ذلك الوقت، ومن الذين عملوا بهذا المجال واحد من آل شاهين من الجش كان يجبّر من عانى من كسر فالعادات بدائية أولية، ولكن من كان يعاني من أي مرض مزمن كان يؤخذ إلى صفد للاستشفاء".
وعند حديثنا عن المياه في الرأس الأحمر أخبرنا الأستاذ رؤوف عن وجود نبع "الوادي" الذي كان بعيداً عن وسط البلد، ومن كان يملك حمارا أو خيلا كان يحمل المياه عليه، وفي الغالب كانت النساء تملأ المياه في جرار وتحملها على رأسها، وذلك لقلة وجود آبار عذبة حلوة نظيفة، فآبار البلد كانت آبار مالحة.
" ولم يكن في البلدة راديو إلا عند عبد شحادة ياسين وكان إضافة إلى مالك راديو " مصلح " راديو أيضا في البلدات الأخرى، وكان سكان البلد كلهم يتجمعون لكي يستمعوا إلى الإذاعات ، منها إذاعة الشرق الادنى والتي هي الآن الـ "BBC" .
وكان في البلدة عدة لحّامين، ومنهم لحّام كان يأتي من أراضي علما ويذبح قرب ديوان الأيوبي.
وفي البلدة حلاق يحلق في بيته عرف باسم أبو محمود. وأعراس البلدة كانت تقام قرب الديوان وكان الفرح يبدأ قبل ثلاث ليال من يوم الزواج، أغاني ودبكات وحفلات على مدى ثلاث ليال، شباب وبنات مع بعضهم البعض، فالعريس " يصمد" في بيت أهله، والعروس في بيت أهلها، ثم يؤخذ العريس إلى العروس، وكانت الاحتفالات تستمر أحياناً إلى ما بعد الزواج بيوم أو يومين.
كان في البلدة دكان سمانة لصاحبها أحمد الحاج علي أيوب يباع فيها الصابون والرز والسكر صاحبها. أما الخياطة فكانت عمة حورية الأيوب تقوم بهذه المهمة، وفي البلدة مقبرة واحدة، تقع في المنطقة الشرقية من البلد.
عرفت الرأس الأحمر بزراعة الخضار على أنواعها: الفجل ، البقدونس، البصل الأخضر، البندورة، الخيار، الفواكه، فمعظم الفواكه كانت تزرع في الرأس الأحمر ماعدا الموز والليمون .
وكان الشباب يقضون معظم أوقاتهم في المساعدة الزراعية خاصة وقت الحصاد، وفي الحارات والبساتين، وكان في البلدة ساحة يلعب فيها الشباب كرة القدم وألعاب عديدة".
أحداث عام 1948 والخروج من الرأس الأحمر:
" وقع في الصفصاف مجزرة.. يقال أن اليهود أوقفت 30 شابا وأطلقوا عليهم النار واحداَ تلو الاخر. ووصلت تلك الشائعات إلى أهالي الرأس الأحمر فخاف الأهالي وجهزوا الدواب وانطلقوا ليلا حتى وصلوا إلى بنت جبيل ، فتركوها قبل أن يدخل اليهود إليها، حيث مكثوا فيها مدة خمسة أشهر حتى تشرين سنة 1948 ثم عاد البعض لتحصيل المحاصيل والزيت فعلم اليهود بذلك ، وبدأوا بإطلاق النار فهرب الأهالي من جديد ولم يبق أحد إلا شخص واحد من آل الخطيب حيث نقل إلى الجش وتوفي هناك.
بقي آل أيوب في بنت جبيل من سنة 1948 حتى سنة 1955، حيث كانوا قد استأجروا بيتاً هناك وكانوا قد عاشوا من المساعدات التي كانت تقدمها الانروا حيث كان هناك مدرسة عرفت بمدرسة الصليب الأحمر لمدة سنتين، وكان الاستاذ رؤوف قد درس في بنت جبيل للسنة السادسة حتى جاء قرار الحكومة اللبنانية بإبعاد الفلسطينيين عن الحدود اللبنانية وتوزيعهم في المخيمات الفلسطينية في الداخل، فجاء آل أيوب إلى مخيم عين الحلوة".
عائلة أيوب: شجرة العائلة وشيء من تاريخها
في لقائنا مع الأستاذ رؤوف أيوب تحدثنا مطولاً عن شجرة عائلته وعن بعض أفرادها خاصة الذين أخرجوا من فلسطين.
هو "رؤوف عبد الرحيم أيوب" جده اسمه "محمد أيوب"، ولد وتوفي في فلسطين "الرأس الأحمر" وحسبما كان يوصف في البلدة كان طويل القامة، أبيض البشرة، وكان يعمل في الفلاحة والزراعة ، وكان من أصحاب الملكيات الكثيرة في الرأس الأحمر وزوجته "ريما القاسم الخطيب".
أعمامه: أيوب ومحمود.
أيوب: توفي في بنت جبيل، بعد الخروج بحوالي سنة أو اثنين، زوجته زهرة ياسين من الرأس الأحمر، وكان من الذين شاركوا في المعارك المحيطة في البلدة ولم يكن متعلما، وكان مزارعا وفلاحا.
عمه الثاني محمود تزوج فاطمة الأيوب، توفي في لبنان ودفن في مقبرة صيدا وكان أيضا من الذين شاركوا في المعارك وكان تعليمه قليل، عمل في الزراعة وكان من جباة تحصيل الضرائب.
أما الوالد وهو عبد الرحيم فقد توفي في صيدا – لبنان، وزوجته هندية ابراهيم، وكان مختار بلدة الرأس الأحمر، وتعلم حتى الابتدائي وله عمتان لائقة وحورية كلتاهما توفيتا في صيدا ودفنتا في مقبرة المدينة".
واستفضنا مع الأستاذ رؤوف في تفصيل شجرة عائلة أيوب، وكان الهدف من العمل على بناء شجرة العائلة وتوثيق خروج أفرادها من الراس الأحمر أن نحفظ حق الأجيال الجديدة من عائلة أيوب بالمطالبة بالعودة إلى موطنها الأصلي في فلسطين.. وهذا حق لم (ولن) تتنازل عنه العائلة، تماماً كما هي سائر عائلات الشعب الفلسطيني.