| المقال |
بقلم نجله: د. لطفي زغلول
ولد المرحوم الشاعر والأديب الفلسطيني الحاج عبد اللطيف زغلول في العام 1915 في أحد أحياء مدينة نابلس القديمة التي كانت آنذاك تحت ظلال الحكم العثماني الذي كان في أواخر أيامه. يعود بنا تاريخ ولادته إلى فترة عصيبة من تاريخ بلاد الشام التي كانت تعيش آنذاك ما عرف بالتاريخ الشعبي "السفربرلك"، وهو فترة الحرب العالمية الأولى "1914-1918" التي أسفرت عن هزيمة الدولة العثمانية، وخروجها من بلاد الشام التي سقطت في أيدى الإحتلالين البريطاني والفرنسي مقاسمة بينهما حسب اتفاقية "سايكس بيكو".
كان رب الأسرة والده "الحاج سعيد" يتباهى على الدوام بماضيه العسكري، فقد كان ضابطا في الجيش العثماني. كان على الدوام يذكر بافتخار جده الأكبر الذي كان هو الآخر ضابطا في جيش إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا والي مصر الذي جاء على رأس حملة على بلاد الشام. كان الحاج سعيد يردد دائما أن أصل عائلته من مصر.
في أثناء خدمته العسكرية حارب "الحاج سعيد " في اليمن وسوريا وشرقي الأردن. في العام 1908، وهو آخر عهده بالعسكرية، كان في صفوف حرس الشرف العثماني الذي رافق الإمبراطور الألماني وليام "غليوم"، الذي زار القدس آنذاك حاجا إلى أماكنها المقدسة. وقد حصل على "نيشان" ألماني أسوة بزملائه الذين كانوا في حرس شرف الإمبراطور. بعد أن انتهت خدمته، رجع إلى نابلس مسقط رأسه، وعمل في إحدى مصابنها فترة من الزمن، ثم استأجر دكانا قريبة من داره، حيث اشترى نولا، وأخذ يغزل عليه بيوت الشعر التي كان البدو الرحل يستخدمونها، ثم عمل بقالا حتى سن متأخرة، حيث ترك العمل نهائيا.
في ظل هذه الظروف ولد "عبداللطيف"، وكان له أخ آخر إسمه "أحمد" أكبر منه. تلقى دروسه الإبتدائية في المدرسة الهاشمية، ثم انتقل بعد ذلك إلى المدرسة الصلاحية الثانوية. كان عبد اللطيف تلميذا ذكيا ومجتهدا. حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وكان مولعا بالشعرالعربي، فحفظ الكثير منه. أبدى عبد اللطيف اهتماما ملحوظا بالتاريخ العربي الإسلامي. إلا أنه كان لافت النظر في حبه للغة العربية التي أتقنها نحوا وصرفا، وهذا لم يمنعه من أن يتقن اللغة الإنجليزية أيضا.
.
نظرا للظروف المعيشية القاسية آنذاك، فقد أنهى مدرسته الثانوية دون أن يستكمل دراسته الجامعية. يومها قدم طلبا لدائرة البريد فقبل موظفا في مدينة حيفا. في بداية تعيينه عمل ما بين فلسطين التي كانت تحت الإنتداب البريطاني ومصر التي كانت هي الأخرى ترزح تحت الإحتلال البريطاني أيضا في توزيع البريد المنقول بالقطار الواصل بينهما آنذاك والذي كان ينتهي في مدينة "العريش" المصرية. بعد ذلك انتقل إلى العمل المكتبي في دائرة بريد حيفا.
خدم عبد اللطيف عدة سنوات في حيفا. في بداية الأربعينات كانت الحرب العالمية الثانية على أشدها. إنتقل إلى بريد نابلس حيث عمل هناك حتى انتهاء فترة الإنتداب البريطاني 1948. في العهد الأردني شغل عدة وظائف في سلك البريد. كان مراقبا لهاتف بريد نابلس الذي كان مقره في مبنى المحافظة الحالي الذي دمرته قوات الإحتلال الإسرائيلي في اجتياحها للأراضي الفلسطينية عام 2002. ثم انتدب من قبل وزارة المواصلات الأردنية آنذاك لتأسيس دوائر بريد في كل من سلفيت ودير الغصون. في العام 1963 تولي إدارة بريد قلقيلية. في العام 1965 أصبح مساعدا لمدير بريد نابلس. في العام 1967، وقبل ثلاثة أيام من الإحتلال الإسرائيلي صدر كتاب إحالته على التقاعد.
كانت عائلة عبداللطيف زغلول بسيطة. في العام 1937 تزوج عبداللطيف من إحدى قريباته التي كانت عائدة من "هوندوراس" في أميركا الوسطى. قام بتغيير اسمها من "ماريا " إلى "أمل"، ولكنها ظلت تحمل إسم "مريم" في جواز سفرها وأوراقها الثبوتية الأخرى. جدير بالذكر أن أمها كانت سيدة مسيحية من بيت لحم، يقال إنها اعتنقت الإسلام فيما بعد. رزق عبداللطيف من مريم خمسة أولاد وبنتا واحدة، هم: لطفي، هدى، نزار، محمد، عدنان، وعماد.
نظم عبد اللطيف الشعر في سن مبكرة جدا، وكان يكتب قصائده على قصاصات من الورق تعرضت في كثير من الأحيان للضياع أو التلف، أو أنه كان يهديها لأصدقائه أو أقربائه. لم يخطر في باله أن يحتفظ بأشعاره إلا متأخرا. نشرت له قصائد في الصحف والمجلات التي كانت تصدر في ذلك الوقت، كما أنه شارك في أمسيات شعرية، ومهرجانات أدبية كثيرة، وكان عضوا نشيطا في عدة نواد ومنتديات أدبية وفكرية، وأذيعت له قصائد كثيرة عبر إذاعات عربية عدة. في هذا السياق، كانت تربطه بالشاعرة الفلسطينية المرحومة فدوى طوقان روابط صداقة متينة، فكتب لها عدة قصائد، سنأتي عليها لا حقا.
يمكن القول إنه لم يكن حريصا على قصائده، إذ كان يردد دائما أنه سيكتب أفضل منها وأحسن. علاوة على ذلك كله فهو لم يمنح نفسه لقب شاعر، ولم يخطر قط في حسبانه أن يكون له ديوان شعر في حياته. لقد كان نظم الشعر بالنسبة له تفريغا لأحاسيس ومشاعر وانفعالات على وريقات بيضاء، فتزهر عقودا من الكلمات تسبح في بحور شعرية لها أوزانها وقوافيها ولون من العاطفة يسبغه عليها.
هنا لا بد من الوقوف عند حادثي ضياع لتراثه الشعري، وتحدبدا قصائده الوطنية. كان الأول في العام 1967 حين احتلت مدينة نابلس آنذاك على أيدي القوات الإسرائيلية، قام عبد اللطيف بإخفاء مجموعة من قصائده الوطنية كان محورها القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي مع بعض الخرائط لفلسطين التاريخية، ليجد أنها أصابها التلف الشديد لدى معاودة استخراجها من الحفرة التي دفنها فيها. أما المرة الثانية فكانت مصادرة بعض قصائده ضمن مواد ثقافية أخرى لدى الدخول بها عبر الجسر مرسلة من الأردن حيث كان يقيم في أواخر أيامه.
وفاء لذكراه فقد قام أنجاله بإصدار ديوان شعري له، وطباعته في العام 2004، حمل عنوان "نفح الذكرى".. مختارات من تراثه الشعري. يقع الديوان في 160 صفحة من القطع المتوسط ذي الورق الصقيل الفاخر. طبع من هذا الديوان ألفا نسخة، وزع معظمها على أصدقائه وأحبابه، وكثير ممن تذكروه مجانا.
عن بيت فلسطين للشعر
|
| Preview Target CNT Web Content Id |
|