مصباح إسماعيل خليل حجازي " أبو جهاد "، ولد في 15/6/1927، في مدينة المجدل، رجل عاصر النكبة وهاجر مع الذين نزحوا من المجدل في وقت النكبة التي حلت بالمدينة شأنها شأن الكثير من المدن والقرى الفلسطينية التي استولى عليها الإسرائيليون في 1948، وطرد أهلها وهجرهم منها.
في البداية عبر أبو جهاد عن حزنه الشديد لما حصل معهم رغم مضي اكثر من 66 سنة، وأن النزوح من المجدل حدث لن ينساه أحد وأن على كل فلسطيني أن لا ينسى تلك اللحظات التي كانت بمثابة فقدان الكرامة، وعلى الطفل الفلسطيني قبل الرجل أن يكمل طريق النضال ضد كل من يريد الاستيلاء على شبر من هذه الأرض .
وبدأ الرجل الثمانيني سرد ذكرياته عن النكبة ويقول:
كنت وقت النكبة أبلغ 21 عاماً، حينها كانت الحياة مستقرة وكنا نعمل في الزراعة لما كانت تشتهر فيه المجدل من زراعة وتجارة، وكانت لجدي خليل ما يقارب ال 1000 دونم وكنا نعمل معه في الأراضي الخاصة بنا، في عام 1948 لم يتخيل أحد بأن الحياة ستصبح كما حصلت، ولكن في ذلك الوقت وقبل الهجوم على المجدل كنا نعلم بما يجري من خلال الإذاعة، ومن أنباء القرى الأخرى التي تصل إلينا، فنحاول أن نحمي أنفسنا، لكن لم نكن نتوقع بأن اليهود عندهم كل هذه الذخيرة وكل هذا الدعم الدولي..
شنت اليهود هجوماً على المدن المجاورة وسمعنا أصوات المدافع والرصاص، حينها أيقنا بأن الهجوم سيصل إلينا، بعد ذلك شنت اليهود هجومها على المدينة وتم إطلاق براميل مملوءة بالبارود على البلد، وتم إطلاق الرصاص بشكل عشوائي لبث الخوف والرعب في قلوب المواطنين، في ذلك الوقت كنا نقاوم مع المقاومين وكان الكثير منا يمتلك بارودة خاصة فيه، ولكن كانت المعادلة صعبة جداً لما يمتلكه جيش العدو من قذائف وطائرات وأسلحة أمام بواريد لا تمثل إلا دفاعا عن أنفسنا، كانت حينها توجد جيوش مصرية في البلد ولكن لم يظل أحد منهم لما رأوه من الهجوم وإطلاق القذائف، وتم تدمير العديد من البيوت.. حينها أدركنا بأن لا مفر لنا إلا النزوح من البلد لأن الطائرات والرصاص أصبح لا يفرق بين إنسان ولا حيوان ولا جماد، خرجنا من البلد من خلال الأراضي ومن تحت الأشجار ولم نستطي أخذ أي من ممتلكاتنا لصعوبة الأمر وقتها، خرجنا على الجمال وكانت حينها أجرة الجمل تزيد عن 13 ليرة مصرية، ووصلنا إلى غزة ومكثنا في بيت خالي من 1948-1953، بعد ذلك تم عمل معسكرات في جباليا من قبل وكالة الغوث واستلمنا غرفة واحدة واستمرت حياتنا فيها من 1953-1973، بعد ذلك تزوجت وسكنا في معسكر الشاطئ .
بالحديث عن مدينة المجدل، يشير أبو جهاد إلى أن مدينة المجدل تعتبر من أقدم مدن العالم وتقع إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة وتبعد عنها ما يقارب 25 كم، وهي بلدة كنعانية قديمة كانت تسمى (مجدل جاد) و(جاد) كانت اله الحظ عند الكنعانيين، والمجدل تعني القلعة أو البرج العالي، وكانت مشتهرة بالزراعة والتجارة ومن ثم صناعة الأقمشة .
ويكمل أبو جهاد حديثه عن المجدل ويفيد بأنها كانت تضم ثلاث مدارس ( مدرسة المجدل الثانوية، ومدرسة الجورة الابتدائية، وقبل النكبة بقليل تم إنشاء مدرسة على حدود المدينة كانت تدرس للصف السابع ).
ومن زملاء الدراسة في المجدل (أحمد الصفطاوي، عبد المنعم العالي، عبدالله ربيع زقوت )، وكان مدير المدرسة (عبدالله أفندي ) وكان من المدرسين ( مخلص عمر، وأكرم الهباب، إسحاق ضبان ).
وعن معالم وحضارات المدينة يؤكد أبو جهاد بأن المجدل كان فيها مسجد ( مسجد المجدل )، وكان هناك كنيسة واحدة، وكانت تضم مقامات منها " مقام الحسين عليه السلام، ومقام الشيخ عوض "..
ويضيف الحاج أبو جهاد بأن عادات الأفراح والأحزان والأعياد كانت ظاهرة متميزة بين أهل البلد.. ففي الأفراح كانت يذهب أهل العريس ممثلين بأم العريس وأخواته لرؤية العروسة من ثم الخطبة وكانت الخطبة تأخذ وقتاً طويلاً نوعاً ما لكي يتسنى للعروسين أخذ الوقت اللازم لتكوين وتجهيز ما يلزم، ومن ثم يتم يكون الفرح في البلد ويقام الفرح على ثلاثة أيام ويكون في ساحة البلد في حضور الأهالي جميعا ويستمر لحوالي ثلاثة أيام، وكانت هناك أهازيج ومواويل خاصة تُحكى في الفرح مثل " درج ي غزالة ي رزق الحلالة، درج ي حبيبي ي ريتك من نصيبي، عريس الزين يتهنى يأمر علينا ويتمنى " وبالأحزان مثل العزاء كان أهل المتوفي يعلنون عن الوفاة ويشارك أهل البلد في الدفن ومن ثم يذهب الناس إلى منزل المتوفي ويقدمون التعازي، ويقوم أقارب وجيران المتوفي بتقديم الطعام طيلة فترة العزاء.
وفي شهر رمضان يقوم أهل البلد بتزيين المدينة ابتهاجا وفرحا، وفي وقت الإفطار تجتمع كل أسرة للإفطار ويقومون الأهالي بتوزيع الأكل على بعضهم البعض، ومن ثم يقوم يذهب الرجال إلى المقهى للجلوس فيها وسماع القصص وفي الأعياد يلبس الرجال والنساء والأولاد أجمل الثياب، ويذهب الرجال والأولاد إلى صلاة العيد ومن ثم تبادل الزيارات بين الأقارب والجيران، وفي عيد الأضحى عادة ما يقوم رب الأسرة بشراء خروف وذبحه.
وفي الحج يجتمع أقارب وجيران الحاج في بيته قبل الذهاب إلى الحاج لتوديعه، ويستمر الحاج لأكثر من ثلاثة شهور ومن بعد عودته من الحاج يقوم الجيران والأقارب باستقباله بالغناء وإقامة العزائم والولائم .
ويشير أبو جهاد بأن هناك الكثير من العائلات التي كانت تسكن المجدل ومنهم: حجازي، لبد، المدهون، سحويل، الأستاذ، بركات، عوض، أبو دان، البلعاوي، مطر، مهدي، حمدونة، الكحلوت الكحلوت، عودة، الحلبي، الخطيب، الهندي، عساف، الحلاق، تنيرة، داوود، حنون.
وعند سؤاله عن شجرة عائلة حجازي أفادنا بفرعه من شجرة العائلة،
فجده هو خليل حجازي وله من الأبناء: إسماعيل، إبراهيم، معبد، محمد، آمنة، لطيفة .
أما والده إسماعيل فله من الأبناء: مصباح، صبحي، سعيد، زكية، صبحية.
والحاج أبو جهاد نفسه، له من الأبناء: اسماعيل، جهاد، نبيل، منى، منال، نهلة، نهى، نهيل.
وبعد كل ما قدمه الحاج أبو جهاد عن عائلته ومدينته المجدل وما حصل معهم في النكبة وتهجيرهم من المجدل إلى غزة أكد أبو جهاد بأن تلك الأحداث ستظل راسخة في الأذهان ولن تمحوها الأيام ولا السنون، وأن كل ما حصل هو بمثابة استيطان واستيلاء على ملكيتنا الخاصة وأن على العالم أجمع أن يعلم بأن فلسطين ستظل للطفل قبل الرجل ومهما استمرت المؤامرات سيأتي يوم يعلم الجميع بأن فلسطين هي لنا وليس لأحد غيرنا .
مصباح اسماعيل خليل حجازي
تاريخ ومكان الولادة: 15/6/1927 في مدينة المجدل
تاريخ إجراء المقابلة: 21/10/2014
مكان اجراء المقابلة: في بيت الحاج أبو جهاد
أجرى هذه المقابلة و أعد لها وأخرجها : التجمع الشبابي من أجل فلسطين