ذكريات النكبة كما روتها الحاجة فتحية الجرف (أم ماجد)
قبل 77 عاماً، اضطرت العروس الشابة فتحية الجرف، التي لم يمضِ على زواجها ثلاثة أشهر، إلى مغادرة منزلها في قرية الخيرية – قضاء يافا، تاركة خلفها مصاغها وحليّها، على أمل العودة بعد يومين أو ثلاثة، دون أن تعلم أن الرحيل سيطول، وأن البيت والمصاغ وكل ما تملكه سيُفقد إلى الأبد.
واليوم، وفي عمر الـ77، تستعيد الحاجة أم ماجد، المقيمة شرق مدينة نابلس، تلك اللحظات العصيبة من عام 1948، وتروي لـ«القدس» ما حدث معها عند مغادرة قريتها قسرًا.
تقول:
«تزوجنا أنا وسلفاي في يوم واحد، وكان زفافًا لا يُنسى. كنت حينها في السادسة عشرة من عمري. بعد شهرين، بدأت القوات الإسرائيلية بالتوسع واحتلال القرى المحيطة، فالتحق زوجي بالثورة. وعندما اقتحموا قريتنا، هرب سلفاي وزوجتاه، وبقيت وحدي في المنزل. حضر زوجي للاطمئنان عليّ، واختبأ بين أشجار الصبّار، لكن الجنود لاحظوه وطاردوه دون أن يتمكنوا من القبض عليه».
وتضيف الحاجة أم ماجد، وهي أم لعشرة أبناء:
«اقتحم الجنود منازل القرية وبدأوا بإخراج سكانها تحت وابل من الرصاص. ألقوا ثلاث قنابل في منزلي، وكاد الدخان أن يخنقني. ثم اقتادوني حافية القدمين إلى منزل والد زوجي، حيث جمعوا الأهالي في ساحة كبيرة. وبعد تفتيش البيوت، أعدموا بعض الشبان أمامنا، وهددونا بأن من يبقى سيكون مصيره كمصيرهم. فهربنا حفاة، نعتقد أننا سنعود خلال ساعات، لكن الغربة استمرت 61 عاماً».
رحلة التهجير والقتل بدم بارد
وتكمل الحاجة أم ماجد، وعيناها تفيض بالدموع:
«خلال الطريق، مررنا بقرى مدمّرة مثل بيت دجن، ورأينا جثث الشهداء على الطرقات. في إحدى المرات، أطلق الجنود النار على مجموعتنا، فاستشهدت فتاة من أقارب زوجي، واخترقت رصاصة جسد خالتها. لم نتمكن من دفنهما حينها، لكن والد الفتاة عاد ليلاً لإحضار الجثتين وإتمام الدفن. تنقّلنا من مكان إلى آخر حتى وصلنا إلى الأردن، حيث وفّرت لنا منظمة الصليب الأحمر خيامًا مؤقتة».
لقاء الأهل بعد الشتات
التقت الحاجة فتحية لاحقًا بعمّها في عمّان، وتمكن من إيصال خبر وجودها إلى أشقائها الذين هاجروا إلى دمشق. وبعد عامين، حضر شقيقها لاصطحابها إلى الشام، لكنها آثرت البقاء إلى جانب زوجها وذويه الذين جمعتهم طريق التهجير.
ذكريات لا تُنسى
رغم مرور السنوات، لم تنسَ الحاجة أم ماجد تفاصيل النكبة. ما زالت تروي قصتها لأبنائها وأحفادها، حرصًا على نقل الرواية للأجيال القادمة، وتقول:
«لم تكن الخسارة فقط في المنزل والمصاغ، بل في ست بيارات كانت ملكًا لزوجي أيضًا. كل ذلك ضاع فجأة».
وتضيف:
«سمعنا عن حالات مروعة؛ بعض النساء من شدة الذعر أخذن وسادة بدلاً من أطفالهن، وآخرون فقدوا أبناءهم أثناء التنقل».
زيارة مؤلمة
بعد خمس سنوات على النكبة، تمكّنت الحاجة فتحية من زيارة منزلها في الخيرية، لتجده كما هو، لكنه مأهول بعائلة يهودية. وعندما أخبرتهم أن المنزل منزلها، أنكروها وقالوا إنه ملكهم.
تقول:
«شعرت بالذهول. رأيت أدواتي، خزانتي، وسريري كما تركتهم. ومع ذلك، العجوز اليهودي يصر على أن البيت بيته. خرجت من المنزل بخطى مثقلة، وصرخت: سنعود ولو بعد قرون!».
عن قرية الخيرية
تقع قرية الخيرية على بعد 7.5 كم شرق مدينة يافا، وقد شهدت اعتداءات عسكرية قبل أن تُحتل بالكامل في 29 نيسان 1948 على يد لواء ألكسندروني. وكان عدد سكانها قبل النكبة نحو 1,647 نسمة، ويُقدّر عدد لاجئيها اليوم بأكثر من 16 ألفًا.