هوية - مخيم الرشيدية
أنا ابراهيم صالح فهد حميد إبراهيم الشولي، من قرية الشيخ داوود قضاء عكا، وأقيم حالياً في مخيم الرشيدية جنوب لبنان. نحنا عشنا في عز وفي خيرات فلسطين ونعم الله، ولكن أدعو الله أن يحرم كل من حرمنا من هذه النعم، وهم الملوك والرؤساء العرب الذين خانوا فلسطين وسلّموا فلسطين لليهود.
القرية
بلدنا – الشيخ داود - تأتي في قمة عالية بين الجبل والسهل، بلدنا سمّوها الشيخ الداوود لأنه فيها أولياء إثنان، الشيخ داوود والشيخ دنون.
مثل الشيخ معشوم ومقامه وكيف هو مدفون بداخله، كان الشيخ داوود مدفون بقلب المقام والشيخ دنون مدفون بقلب المقام، هي بلد واحدة، ولكن هذا حي الشيخ داوود، وهذا حي الشيخ دنون.
العائلات التي سكنت في الشيخ داوود، عائلة فهد، وحميد (عائلة واحدة)، عائلة دار الشولي وهي الأساس، بعدها عائلة دار ياسين، دار حمود، دار البدران ثم عائلة دار البيتم، ودار العكاوي ودار أسعد خليل، والمشايخ بدنون وعائلة دار صالح نزهة هذه العائلات تسكن البلدين.
لم يكن في الشيخ داوود مدرسة ولكن كان هناك شيخ يعلمنا بالقرية دين وقرآن وكتابة، وأيضاً لم يكن فيها جامع. في آخر أيام حياة والدي رحمة الله عليه، اقترح على أهالي القرية بناء جامع ، ولكن الكل عارض وقالوا ما فينا نعمر جامع، فقال والدي لو أن الله سبحانه وتعالى يعطيني مكان سأعمر فيه جامع على حسابي. فقال رجل من دار حمود إسمه الحاج درويش سأعطيك كل هذه المنطقة لتعمّر فيها جامع في البيدر بمنتصف البلد، فبدأ والدي وأحضر قطّاعين، لتقطيع حجر الصوان، وبدأوا بنقل الحجار إلى البيدر، وثم اختلف الوضع وخرجنا، وبقيت الحجارة موجودة.
كان في دكانين فقط، حسين ناصيف صاحب إحداهما، وهناك لحّاميْن: ديب السيّد وأحمد الشيخ، ولم يكن هناك قهوة بل مضافات عائلية، عند المشايخ مضافة مفتوحة وقهوة مستمرة، وكان عند دار أسعد الخليل مضافة. وعند أحمد البيتم مضافة أخرى فهو مختار البلد، ويتجمع الفلاحين بالسهرة بالمضافات. أما حلاق البلد فكان من الغابسية إسمه حسين، يحلق لنا.
أيضاً هناك معصرتين ببلدنا للزيتون، ففي حياة الحاج عثمان جد محمود، عندما يركب الزيتون بالمعصرة، يستعجب أهل البلد ويقولوا هل المعصرة له؟! يعصر 3 – 4 أيام ليل نهار، زيت زيتون، والمعصرة لها حجر كبير ويدورها حصان، لينعم الزيتون ويربصوا ويعصروه. والمعصرة تأخذ حصة زيت 5 – 10%. عمي (محمود) كان عنده معصرة، ودار رستم عندهم معصرة بدنون، لأنه هناك زيتون كثير فكان هناك معصرتين.
البيوت
من بيوت الشيخ داود
أما بيتنا، كانت البيوت قديمة على قناطر، بيتنا كان 3 قناطر، وعلى خشب وثم والدي تخلص من كل هذا وصب باطون، وعمّر غرفة أمامه، وخرجنا منه. كان والدي عنده كرم تين بجانب البيت غريب من نوعه، والزيتون خير الله.
أما وجهاء القرية، فمن رموزها كان وجوه عائلات مثل المشايخ بيت النور بدنون وفي نصف البلد كان المختار أحمد البيتم، وبعد ما حط يده على أملاك الألمان الذين هربوا، أخذ الأملاك له، وعند دار أسعد خليل مضافة، وعند دار البيك.
أنا وصلت ليافا وتل أبيب، خارج القرية، وكان ابن عمي أبو يوسف (زوج أختي) يشتري قماش، ووصلت لحيفا لتوريد التين، كان أعمامي أصحاب سيارات، نأخذ حمولات من ليمون وخضار الى حيفا، وأنا أقطف التين، وأذهب معهم إلى حيفا، وإلى عكا كل يوم جمعة نذهب لنصلي بجامع الجزار بعكا. هذا الجامع اللي عمّره الجزار، عمّره حاكم تركيا كان إسمه جزّار باشا، نصفه بالبحر، غريب هذا الجامع، وهو مشهور بعكا.
أما الزواج، فأنا سأحدثك عن نفسي، كان الواحد يجوّزه أهله دون علمه، يطلبوا له فتاة من غير علمه، أبي أنعم الله عليه بالرزق والحلال، جاء ويريد الذهاب الى الحج، فذهب الى جامع الجزّار وسأل الشيخ، فقال له: يا شيخ أريد الذهاب للحج، ما المطلوب مني، قال له، إذا عندك أولاد بسن الزواج، فزوِّجهم أفضل من الحج وبعد ذلك حج، قال له: عندي ولد واحد وعندي رزق يكفّي أربعة أولاد، فقال له الشيخ، إذهب واطلب لإبنك وجهّزه للزواج وبعد ذلك غادر إلى الحج. ذهب أبي فطلب لي زوجتي أم محمد، وذهب بعدها إلى الحج. وبعد ذلك جاء العيد الصغير جهّز للعروس الذهب وخواتم وحلق وأشياء اخرى، فقال لي: هيا نذهب نعيّد على بيت عمك، فزوجة عمي (حماي) هي خالتي أخت أمي فقلت له: إذهب لوحدك، فقال لي، يجب أن تذهب لأني خطبتلك بنت عمك وتروح تعيّد عليها. فطلبت لك جميلة فقلت له أنا بدي أمينة فقال لي أنا طلبت جميلة وصمّمت بدي أمينة. فرفضت، وكان بيتهم قرب النهر، فذهبت البنات ليعبّوا ماء فقالوا لها: يا جميلة، إبراهيم لا يريدك ويريد أمينة، فسمعت والدتها هذا الحديث، فقالت للبنات: قولوا لإبراهيم إمشي مزبوط وإلاّ بتحرمك من البنتين، فجاء البنات وقالوا لي ذلك، فقلت لا أريد أية واحدة، وعصيت، ورفضت ولكن والدي هزّ العصاي بوجهي فوقفت بنصف الطريق وسألته هل هي ستأتي وتسلّم عليّ فقال والدي فنحن ماخدين الجهاز معنا، فقلت له: بدها تبوّس يدي ماذا أعطيها؟ بدي خمس ليرات، فاعطاني إياها، وعند نصف الطريق ركب المهرة ووالدتي راكبة وراه فقلت لأمي، أشكيكم لله، فهذا ليس بمقدرتي، فضربني والدي بالعصاي، فمشيت، فوجدت جميلة زعلانة ووالدتها كذلك، عيّدنا عليهم، وخرجنا. كان عمري آنذاك 13 سنة (طفل) بالـ 14 يريد والدي تزويجي، وخصص 7 ذبائح ليعلفهم ويذبحهم وقت العرس، فرفض عمي لأننا صغار، فزوّج اخي بالرضاعة إسمه علي البدران، بقي بفلسطين، في 1948 طلعت زوجته معانا بالسيارة على جويّا ومعنا ابنها واسمه ابراهيم.
تزوجنا وكنت هَنياً مع زوجتي، ولكن نرجع لأمينة (رحمة الله عليها) طلبوها أكثر من واحد وترفض، فقال لها والدها: من تريدين؟ فقالت له: إذا متضايق من أكلي بشتغل ولا أريد الزواج، وماتت بنت ولم تتزوج.
في البلد، إذا حكيت مع بنت عمك أو جارتك، وتريد خطبتها، فيقول الأهل للبنت ممنوع الحديث معه الا عند الزواج، كان هناك تشدد بالرأي من هذه الناحية.
هذا الشعب الفلسطيني من خير شعوب الدنيا، لأن ربنا سبحانه وتعالى اختصّنا في ثلاث ولم يختص فيها إلاّ الأنبياء، وهي الجهاد والإستشهاد والهجرة. نحن الفلسطنيون بشهادة النبي محمد رسول الله من خير شعوب الدنيا، عندما قال: ما زالت طائفة من أمتي للحق ظاهرين ولعدوهم قاهرين، ولن يغيرهم من خذلهم، قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال في بيت المقدس وجوار بيت المقدس.
الخروج من الشيخ داوود
قرية الشيخ داوود لم تتعرض للهجوم، خرجنا من القرية، وكان في مضفر يهودي إسمه مليخة من الأرض اليهودية، بعث لمختار البلد أحمد البيتم وقال له يا مختار لا تخرجوا من أرضكم، وأنا مسؤول عن كلامي، جاء المختار خبّر البلد، فقال الناس إذا بقينا سيظنون أننا عملاء. نسلم لليهود، لا نحن لسنا عملاء ونريد فقط الخروج، وطلع معنا ابناء وتوفى في برج البراجنة وكل الناس طلعت، عندما احتلوا عكا واحتلوا الشاطىء التحتاني السميرية والزيب والبصة، صارت الضيع تخلو من العالم، وجيش الإنقاذ يقول للناس أخرجوا وعندما نحررها وتعودون بعد ذلك.
وأذكر عندما جئنا الى جويّا في لبنان، خالتي كانت جالسة مع مجموعة نساء من الزيب، فسألتهن: كم يوم مضى عليكن هنا؟ فقالت الزيباوية: والله صار لنا 34 يوم وخالتي تقول لها: يا "شحّاري" ونحنا بدنا نقعد هالقد!!
خرجنا بتاريخ 18 أيار بأول الصيف، ثم أرسل لي والدي لأحضر أخواتي وارجع، "بدنا ننصب القمح والزيتون، ونحن راجعين تعطلت السيارة بنا وقعدنا بالدير"، وأبي كان وضعه المادي جيد، وأودع ماله أمانة معي، ووضعتهم في كيس تقريباً كان المبلغ 550 جنيه فلسطيني، وعندما هوّرت السيارة وانقلبت بنا من كثرة الركاب الذين في السيارة، فنظرت دولابين السيارة تحت والنصف الثاني فوق، فقفزت من السيارة، وبعدها انقلبت قلبتين، ونظرت الى الناس فوجدت أختي وأمي يداها مكسورتين. بعدها بقليل حضر جيب للجيش اللبناني وجيش الإنقاذ، وعدنا إلى الدير وعشنا من 6 – 7 أشهر، أهل الدير كانوا جيدين. وصرنا نذهب أنا واهلي إلى فلسطين وإلى بلدنا نحوش الأراضي والقمح والزيتون وصرنا نزق القمح على الحمار إلى عمقا، وفي تلك الليلة هجم اليهود على عمقا وخرجنا بدون محصول.
قريتنا لم تدمّر، ولا بيت هُدم، ولم نخرج شيء ولا مفاتيح، ووضعنا الطرش في المغارة وتركناه هناك. لم يكن أحد في الطريق ليلاً. والذين بقوا في البلد ما زالوا هناك حتى اللحظة، والآن بلدنا عامرة ومسكونة.
مجزرة دير ياسين أخافتنا كثيراً وعملية عسفيا والدالية وعملية البلد التي سُلمت وتصفية 150 شاب منهم رشاً بالرصاص.
والله كون على ثقة، كم عدد الدول بالدنيا، لو بيعطوني من كل دولة هويّة وجنسية بدل الجنسية الفلسطينية، لن أقبل بدلاً عنها أي جنسية أخرى، إلاّ الجنسية الفلسطينية على راس كل دول العالم وأتمنى من الله أن يطول عمري حتى نعود إلى فلسطين وهو ليس ببعيد إن شاء الله، وهذه الحروبات بوادر لرجوعنا.
«لو أعطوني كل جنسيات الدنيا، لا تعوّض كمشة تراب من أرضي وأرض أبوي وجدي في فلسطين»