| المقال |

ستة وستون عاما انقضت على نكبة فلسطين، و مازال الحاج اسماعيل جربوع يتذكر أرضة وبيتة وعمره عشرون عاما، على هجرته قسرا من مدينته عروس فلسطين "يافا " وما زالت ثنايا الذاكرة الفلسطينية من بدايتها، وتقرأ فيها الأمل والرجاء
والعزم والاصرار على التمسك بالأرض والحق فمفاتيح بيتة مخبأة في قلبة، وسنوات التيه والتشرد لم تمسح عنها زهر البرتقال والليمون. والذاكرة الفلسطينية لا تزال حية ومتوقدة في روحه يقرأ منها دروس الحاضر والمستقبل.
الحاج جربوع والذي يسكن مخيم البريج وسط قطاع غزة والذي أنهك المرض والكبر جسده لكنه تجده شعلة من النشاط في عدم تفويت أي صلاة إلا في المسجد جماعة وتراه يتنقل على بيوت أولاده وبناته وأحفاده لدرجة أن أولاده يقيمون كل سنة له حفلة عيد ميلاد حتى يشعروه أنه ليس وحيدا بعد وفاة زوجته
ما زالت فلسطين ذكرياتها محفورة في القلب والعينين وكأنها لم تغب لحظة، لم تزده سنوات التشرد والوجع والترحال المريرة والطويلة إلا حنيناً وعشقاً والتصاقاً بوطن يتنفسه أملا ورجاء وحرية.
تلتمع العيون بالحنين، حين تشتعل الذاكرة بالوجوه والأحداث والصور في عودة سريعة إلى حضن الوطن "الذي نشتاقه ونفتقده بشدة والذي نرفض أن نتخلى عنه أو ننساه مهما طال الزمن وطالت الغيبة" كما قال الحاج
يافا... عروس الشاطئ
الجاج اسماعيل جربوع المولود في يافا سنة 1927 ، يقبض على أرشيف الصور والرسائل القديمة كما يقبض على التاريخ رافضاً ان تسقط من ذاكرته ولو بعض الأسطر من حكاية يافا التي كما يقول إنها أكثر مدينة في فلسطين جسدت التعايش بين الطوائف. ويضيف: "لا أذكر أننا في يافا فكرنا مرة أن نسأل أحداً عن ديانته
أو طائفته، عشنا مسلمين ومسيحيين معاً وبلا تمييز. تعلمنا في المدرسة ذاتها وولدنا بالحي ذاته وكبرنا سوياً.
ما هي أبرز الأحداث التي عايشتها في يافا؟
يجيب الحاج جربوع : قبل ثورة سنة 1936 كان أعضاء ورئيس بلدية يافا وكاتب مدينة البلدية ينتخبون انتخاباً ولكن بعد هذا التاريخ أصبح يتم تعيينهم من قبل الانتداب، الأمر الذي أحدث انشقاقات وخلافات ما بين المؤيدين للانتخابات وما بين "جماعة" الإنجليز المؤيدين للتعيينات، يضيف الحاج وقد التمعت عيناه "أذكر جيداً البلدة القديمة في يافا وبيتنا. إنها تشبه تماماً صيدا القديمة وطرابلس القديمة. بيوتها المشيدة من حجارة مرصوصة وميناؤها المطل على البحر".
ويستدرك الحاج جربوع موضحاً "ميناء يافا كان للبواخر الصغيرة والآتية بمعظمها من قبرص واليونان محملة بالجبن. وبدل أن يطور الإنجليز ميناء يافا ويوسعوه عمدوا إلى تطوير ميناء تل أبيب"، ويستذكر ميناء يافا بسلاسته وبحّارته
اليونانيين والقبارصة الذين أنشأوا علاقات ودّ وصداقة مع أهل يافا يقضون أوقاتهم في مقاهيها وباستضافة أهلها في بيوتهم. ويضيف بمرارة وحزن أن الانتداب كان يفرض قوانينه وسلطته على العرب فقط بينما يفعل اليهود ما يريدون.
يعود الحاج الى ارضة وبيارتة المزروعة بالبرتقال وكروم العنب وبيتة الذى شيدة قبل 6 شهور من الهجرة ويأخذه الحنين مجدداً إلى شوارع يافا وأحيائها حى العجمي ميدان الساعة وشارع البحر .
يغمض الحاج اسماعيل عينيه ويجيب "نعم أحنّ إلى يافا وأحلم بالعودة اليها، إلى يافا فقط ولا أقبل ببديل عنها أنا بلدي يافا وأريد العودة اليها اليوم قبل غدٍ ولن أتردد لحظة واحدة.. يافا مدينة الحضارة والثقافة.. أجمل المدن في عيني ولا بديل لها في قلبي".
هل تذكر كيف غادرتم يافا؟
يعود الحاج اسماعيل الى الذاكرة ويمسح بيدة على جبينة ويقول لقد تركنا يافا فى عام 1948 لان العرب لم يعملوا شيء الى اهل فلسطين حيث يتذكر ان رئيس بلدية يافا يوسف هيكل ذهب الى الملك عبدالله بالأردن وشرح له جرائم اليهود بفلسطين فقال له ( من يريد ان يرحل فليرحل ).
كنا نعاني من الرعب بسبب ما شهدناه وما سمعنا به من مجازر ومذابح ترتكبها عصابات الصهاينة، ففي التاسع من نيسان ارتكبوا مجزرة دير ياسين تلك المجزرة الوحشية التي تقشعر لها الأبدان لمجرد ذكر تفاصيلها أو وقائعها. ولأشهر طويلة كنا نسمع أصوات التفجيرات والاعتداءات كون يافا قريبة من تل أبيب. حتى كان صباح ذلك الأحد حيث هاجمت العصابات الصهيونية المدينة واقتادوا أهلها إلى الميناء لترحيلهم.
يتحدث الحاج عن الحياة بيافا ويقول بانها حياة رخاء البرتقال هو راس مال يافا ومن كثر السمك كان يأكله الكلاب والقطط على شاطئ البحر ويتذكر عندما قام اهل يافا بجمع التبرعات للثورة السورية ضد المحتل الفرنسى.
أما عن ذكريات الحاج جربوع حول اضراب سنة 1936 أو ما سمي بأضراب الستة أشهر فيقول "كان اضراباً شاملاً نفذته فلسطين كلها وليس يافا فقط. لقد أغلقت المتاجر وتوقفت الحركة. تلك المرحلة التي تضج بالنضال لا تزال عالقة بذاكرتي،
منها ان معظم الشباب والرجال كان يرتدي الكوفية والعقال حتى أولئك الذين لم يحلموا بعمرهم ان يضعوها، فقد أصبحت الكوفية كما العقال رمزاً للثورة والجميع يضعها تيمناً بها".
فى نهاية حديثة قال الحاج (لن ننسى.... سنعود) مهما طال الزمان ام قصر وقال ان نهاية اسرائيل قريبة وهذا وعد الله للمؤمنين والصابرين.
المصدر: دنيا الوطن
|
| Preview Target CNT Web Content Id |
|