
كانت عائلة قطينة ككثير من العائلات المقدسية التي اهتمت بالعلم والتعليم منذ فترة مبكرة، وكان أبناء العائلة يدرسون في اسطنبول وبيروت وساهموا في بناء النهضة العلمية للبلاد منذ نهايات الحكم التركي، وتقلد أبناء العائلة وظائف في الحكومة التركية ومن ثم البريطانية، وكان والدي أحدهم حيث عمل في القطاع المالي، وهذا سبب انتقالنا للعيش في مدينة الخليل في عشرينيات القرن الماضي، أقمنا في تلك الفترة في منطقة المحاور (عين سارة) وكانت تلك المنطقة خارج حدود البلدة القديمة مكان سكن الموظفين والوافدين إلى المدينة للعمل والتجارة والسكن، ومنهم الحاكم العسكري البريطاني والأطباء العرب والانكليز وأهمهم الطبيب المصري المشهور وطيب الذكر (أحمد عبد العال)، وعائلات أخرى مسيحية ومسلمة من الأردن ومختلف مدن فلسطين قبل النكبة.
من تلك الفترة لا يمكنني نسيان كيف أخرجنا العسكر الإنجليزي من بيتنا عنوة في زخم الثورة الفلسطينية الكبرى التي استمرت حتى عام 1939م، كنت أبلغ من العمر أربع سنوات حينها، أرغمنا العسكر على ترك البيت نحن وكل العرب القاطنين بتلك المنطقة، كانت المعارك بين الثوار والجيش شديدة وقوية، لدرجة أن الإنكليز كانوا حينما يحل الظلام يقومون بإنارة المنطقة كلها بضوء قوي، حتى اضطر والدي وباقي الجيران من طلاء زجاج نوافذ البيوت باللون الأسود في محاولة لتجنب تلك الأضواء، وما لبثنا طويلًا حتى تم إخراجنا جميعًا لمدة ما يقارب العام من تلك المنطقة.
شاهدت أنا وجيلي بداية تأسيس التعليم العالي للبنات في المدينة، كانت أختي (خديجة قطينة) خريجة دار المعلمات التي تأسست في القدس عام 1919م، والحاصلة على دبلوم من أهم رواد تلك الحركة في الخليل، مع مربيات قديرات حالفني الحظ أن كنت من تلامذتهم، ومنهم هيلانة بطرس - مديرة مدرسة بنات الخليل الثانوية للبنات حينها ـ وندية رصاص وليلى أبو ليلة، منور العلمي من غزة، ومريم الجاعوني وأخريات كثيرات، وعندما أكملت دراسة الثالث الاعدادي التحقت للعمل في المدرسة الخاصة التي أسستها أختي خديجة منتصف الأربعينيات كمعلمة، وترافق عملي مع حلول نكبة فلسطين ووفود اللاجئين على المدينة، حينها قمنا بجمع التبرعات وفتح المدارس لإيواء النازحين والعديد من الأنشطة التي كان المجتمع المحلي مسؤولًا عنها.
جانب قصير من اللقاء الثري والممتع الذي أجراه فريق التأريخ الشفوي التابع لنادي الندوة الثقافي يوم الاثنين 4\11\2024 مع السيدة ليلى قطينة مواليد مدينة الخليل عام 1935م، الشكر موصول لها ولعائلتها على حسن الضيافة والاستقبال.
المص\ر: نادي الندوة الثقافي
06/11/2024

