هوية # أ زياد غضبان حلب مخيم النيرب
من حيّ ميسلون إلى ترشيحا و أهازيجٌ مدرسيّة و أشعار فلسطينية
يرويها الحاج رَوحي فاعور من مواليد عام 1935 ابن قرية ترشيحا
في منزله الكائن في حيّ ميسلون بحَلب
استقبلنا الحاج بحفاوة كبيرة معه ابنه تمّام
شَرعنا بالتعريف عن المؤسسة و بُغيتها من إجراءات المقابلات مع شهود النكبة و بعد أن مَهَّد نفسه و استعادَ ذاكرته عن قريته ترشيحا التي ما زالت تَركَنُ في وجدانه رغم مرور ٩ عقود على فراقه لها
بدأ بالتعريف عن اسمه " أنا رَوحي محمد فاعور مواليد ٨\ أيّار \ ١٩٣٥ من قرية ترشيحا
كان والده يعمل فلّاحاً ملّاكاً عنده ١٥ قطعة ارض يزرعها صيفاً شتاءً
و كانت قرية نموذجية بمساحتها و سكّانها و إنتاجها للتّبغ التي تبلغ طول المترين و الخضروات و شوراعها مزفّتة
و خلال حديثه أمسكَ أوراق خاصة بتاريخ قريته و أصبحَ يروي أسماء الحمائل و الرئيسة منها { مصطفى ، الآغا ، فاعور ، حسنة ، يوسف ، أبو هاشم } و الحمائل الأخرى
[ الفلٍاحين ، الأبّاني ، الخيرات ، أبو حسان ، فانوس ، الجِشّة ، الشّولي ، الشّيخ هود ] مُشيراً إلى الإلفة التي تسود بينهم كأنهم عائلة واحدة
و على لسان جدّه عن عمره يناهز ال ٩٨ عاماً تكلّم قائلاً أنه لم يحصل بينهم أيّ شجار أو خلاف
و سُرعان ما وصف مدرسته بمدرسيها [ السادي عمر ، محمد رضا ، خالد القاضي " أبو أنور " ، أحمد موعد الذي درّسه أيضا بجامعة دمشق بعد اللجوء ] و مديرها [ مصطفى عبد الباري ]
و أجملَ ما عَطَّر مجلسنا الأناشيد المدرسية التي أنعشت ذاكرته و منها ( عليا و عصام ) و أنشودة ( الدّيك )
ثُم عادَ لذكر تفاصيل منزله بساحتها و مقتنياتها و جلسات الأهل حول مدفئة الحطب و ذهاب الرجال إلى قهوة القرية و احتساءهم الشاي و القهوة و شربهم الأراكيل و تداولهم أحاديث البطولة
و من جيرانه: [ جمال فاعور ، نجيب وردة ، عائلة الدقاق ، حسن و عمر و أسعد صالح ] كانوا يقنطون بحارة البركة التي كانت بداية القرية للمارَّة
و عند سؤالنا سبب تسمية القرية بهذا الاسم أجاب على اسم طيور الشيحة التي تعشش على أشجارها
لَمْ ينسَ قريته يوماً، وكان كلما دخل إلى الإنترنت يبحث عن صورها بيتاً بيتاً آملاً أن يراها بعينيه قبل رحيله عن الدنيا ثمّ يتابع بملْء ذكرياته بتدوينها بمذكّراته الخاصة
و استرسل بحادثة قحطٍ حصلت ترشيحا حيث صلّوا صلاة استسقاء بإمامهم الشيخ أحمد المصري ( من الاسكندرية )
حيث دعا رب العباد بدعاءٍ خالصٍ لوجهه الكريم { يا ربّنا ... يا ربّنا ، احنا الصّغار شو ذنبِنَا ، طلبنا الرّغيف من أُمِّنا ، ضربتنا على فمِّنا ، يا ربّنا ... يا ربّنا }
و فجأةً غابت الشمس و هطلَ المطرل ٨ أيام بليالها و صُنّفت المواسم آنذاك بأفضل موسم
ثمّ ذكر التآخي و التحابب بين المسيحية و الإسلام لدرجة تكون العطلة يومي الجمعة و الأحد للجميع
و ذكر الأسواق و اجواءها بخضرتها المتنوّعةو اصنافها الخيّرةو زيتها المُميّز من أشجار زيتون فلسطين المباركة
و تكلّم عن العطّارين في القرية خليل القسيس " أبو فؤاد " الذي كان يداوي المرضى بيدٍ سحريّةٍ مباركة
و بعدَ احتساء الشّاي في منزله
وصفَ لنا الأعراس التي تبدأ من عشاء يوم السبت إلى زفة العريس على الخيل عصر يوم الجمعة و وصف لباس العريس و ركوبه على الخيل و أجمل ما غنّاه بعض الأغاني الترشحاوية العالقة في ذهنه و هو ابن ١١ سنة [ يا ابن عمي ليش بيني و بينك حتى الغريبة حليت بعينك ، يا ابن عمي يا ابن عمومي اخطب و تزوّج مالي مهمومة ، و الله لآخر غيرك ابن الحكومة ، و اتزوّج إلي بخبّر و بيحكي بالتّلفونا ]
ثمّ تكلم عن مصطلح تغرّبت فقال : كل ترشيحا قرايب إذا ما بالعصب بالنّسب ، و التفتَ لعاداتهم الجميلة في رمضان بأنّه كان يأخذ سدراً كاملاً من الطعام و يضعها على باب المسجد قبل أذان المغرب ليأكل منها الفقير و يأتي فقراء القرى المجاورة بياخدوا نصيبهم من الصدقات و وصفَ جميع أهالي ترشيحا بأنهم متدينين ، و صباح عيد الفطر يشاركهم الأخوة المسحيين في التكبيرات { اللهُ أكبر .... الله أكبر ... لا إله إلا الله ... الله أكبر .... الله أكبر .... و لله الحمد }
و بعدَ استراحةٍ ليست بطويلة تحدّث عن لحظة خروجه من القرية حين حين بدأ الطيران و المدفعية بالقصف و انسحاب جيش الإنقاذ اختبؤوا ليلتين كاملتين بين أحواش الزيتون و عند اشتداد القصف هاجروا مع ذويهم ليلاً سيراً على الأقدام ومعهم خاروف من المنزل حتى وصلوا مُنهكين إلى قرية بنت جبيل وهم عَطشى يتمنّون شَربَة ماء و اضطروا الشُرب من ساقية غير نظيفة و تابعوا حتى وصلوا إلى القِشلة و منها المهجر الصّحّي فإلى الخان و نهايةً إلى مخيم حندرات في حلب
حيث وصف تلك الرحلة بأنها كانت، مؤلمة لا تُنسى من المَرارة التي لاقوها
و بعدها بدأ صفحة جديدة من حياته إذ كان عمره ١٣ سنة عندما وصل إلى حلب حيثُ تابعَ دراسته و عمله مراعاةً لظروف عائلته
وهناك أكمل الإعدادية فالثانوية فالجامعة ليتخرّج من كلية الحقوق ثم اكمل تحصيله العملي بدرجة الماجستير و بعدها حصل على إجازة في اللغة العربية حيث درَّسَ بعدة مدارس بقرى حلب ، ثمّ عُيِّنَ مديراً لمدرسة ناصر الدين في مخيم حندرات بالتعاون مع الأستاذ أحمد أبو حسان الذي أجرت المؤسسة معه مقابلة سابقاً
و عند سؤاله عن التوطين و التعويض عن أرضه ترشيحا قال غاضباً [ ما ببيع أرضي ، ما بقبل التوطين ولا التعويض و مازال حلمي بالعودة لبلدي موجود ]
ختم حديثه برواية حدثت معه عندما كان في الخدمة العسكرية في عام 1961
عندما صعد جبل الحِمَّة فأتاهُ إلهام الشُّعراء فراحَ يُنشد :
عليكِ مِنّي السَّلام يا أرضَ أجدادي
ففيكِ طابَ المَقام و طابَ إنشادي
أهوى عيون العسلِ أهوى سواقيها
هذي مجاري الأمل دامتْ لأهليها
أنتِ جروح الفِعَل في الخطبِ يحميها
يا ما أُحيلى السَّكن في أرضِ أجدادي
تعالوا شوفو المحن في أرضٍ أهليها
أنتِ جموعُ الفِمَن في الخطبِ يحميها
يا ما أحيلى السَّكن في أرضِ أجدادي
ختاماً دعا الله لأهالي غزة الصمود ووصفهم بملائكة الرحمن
الذين وقفوا في وجع الغاصب ضمن هذا الواقع العربي المرير
