الحاج صبحي سليمان اللَّحَّام… قِصَّةُ غِزلانٍ تَرتوي من عينِ ماءٍ تُسقي قلوب العشّاق
حلب – الجمعة 2025/12/5
هوية – أ. زياد غضبان
عصر يوم الجمعة استقبلنا الحاج صبحي سليمان اللَّحَّام "أبو حسام" (مواليد قرية عين غزال – قضاء حيفا 1947) في منزله الكائن خلف مسجد التوّابين في مخيم النيرب.
ورغم أن ذاكرته لا تحتفظ بالكثير من تفاصيل الحياة في القرية بسبب صغر سنّه عند التهجير، إلا أنّ إحساسه الوطني وتمسّكه بتاريخ أجداده جعلاه يحرص على معرفة تاريخ عين غزال العريق. وقد كان حضوره المهيب ونبرته الشجية كفيلين بإحياء ما رواه له والداه عن حياة كل أسرة فلسطينية امتدت جذورها من حيفا.
عند وصول وفد مشروع "هوية" كان الحاج عائدًا من صلاة العصر، جالسًا أمام منزله، منشغلاً بقراءة كتاب خاص بقرية عين غزال. وبترحيبٍ حار يليق بأهل الكرم، استقبلنا أجمل استقبال. وبعد التعريف بمنصة "هوية" وهدفها في حفظ الذاكرة الشفوية لكبار السنّ المشرّدين عن أوطانهم، بدأنا بتدوين شجرة العائلة التي تعود أصولها إلى عائلة مسعود.
افتتح الحاج صبحي حديثه بفخرٍ يمازجه ألم البعد قائلاً:
"أنا الحاج صبحي سليمان اللَّحَّام، مواليد قرية عين غزال – قضاء حيفا عام 1947."
تحدث عن والده الذي كان يعمل سائقًا في القرية، وكانت لديهم أراضٍ زراعية تعمل فيها والدته ونساء القرية، ومن أشهر محاصيلها: البلّوط، الخبيزة، العِلت، الزيتون.
واسترجع بعض معلوماته عن القرية قائلاً:
"عين غزال قرية فلسطينية مهجَّرة تقع جنوب مدينة حيفا على بعد 21 كم، وقد هُجِّرت عام 1948. موقعها الجغرافي على السفوح القريبة من جبل الكرمل، وقد شكّلت مع قريتي جبع وإجزم ما يُعرف بـ مثلث الكرمل."
وأكمل وصف شوارعها الترابية وسكانها الذين تراوح عددهم بين 2000 و2500 نسمة، موزعين بين 40 و50 عائلة. ومن كتاب عين كفاح – قرية فلسطينية ذكر أسماء الحمائل، ومنها:
حمولة الزياتنة: آل أبو مرعي، طه، عبد الله الحسن، أبو العباس
حمولة المناصرة: آل الصعبي، الحسن، كَلَش، أبو عواد، إبراهيم الصالح، محمد عبد القادر
حمائل أخرى: عبد الحق، عوّاد، أبو الجعص، إدريس، أبو موسى، مسعود، اللَّحَّام، غنّام، التميس
وعن سبب تسمية القرية قال إنّ "عين غزال" يعود إلى عين ماء عذبة في أول القرية، كانت الغزلان ترد إليها للشرب، وكانت تسقي المزروعات، مما جعل محاصيل عين غزال محطّ طلب أهل حيفا لما امتازت به من عذوبة مياهها.
كان في القرية مدرستان للذكور والإناث، ونادٍ ثقافي وآخر رياضي. وفي وسطها مسجد يُعرف باسم "الجامع"، مبنيّ من الحجارة وله مئذنة صغيرة، وكان معظم سكانها من المسلمين. كما كان فيها مقام الشيخ شحادة الذي يقصده أهالي القرى للتبرّك، إضافةً إلى مضافة المختار عبد القادر أبو زليخة المشهورة بكرم الضيافة.
كانت الأعراس تقام بأسلوب ريفي فلسطيني يجمع بين الطقوس العربية والاحتفالات الشعبية. ومن أشهر الأكلات: مقلوبة الباذنجان، المنسف بالجميد، المفتول (المغربية)، ولا يزال أهالي عين غزال يحافظون على هذه الأكلات في سورية ولبنان والأردن. أما اللباس فكان القُمباز والحطة والعقال دلالة على ارتباطهم بأرضهم.
قال الحاج إنّ قريتهم قاومت حتى اللحظة الأخيرة. وعند اشتداد القصف كان عمره تسعة أشهر. وقد حفرت له والدته حفرة ونامت فوقه لتحميه من الطيران. خرج الأهالي حفاةً تحت القصف، واتجهوا إلى قرية جبع، ثم انتقلوا عبر السيارات والقطارات إلى الأردن، ومنها إلى سورية، حيث أقاموا نحو عشر سنوات في منطقة الباب شرقي حلب، ثم انتقلوا إلى حي الشِّهبة في مدينة حلب. وبعد وفاة والده، شعر بضياع الوطن مع فقد الأب، فلجأ لاحقًا إلى مخيم النيرب.
"لا يمكن أن أتنازل عن أرضي. لو يعطوني مال وأملاك الدنيا ما بتنازل عن حق العودة."
"لا يمكن أن نستغني… أجيالنا وأجيال أجيالنا مرجوعنا إلى فلسطين، لأراضينا وبيوتنا."
"حلم العودة قائم اليوم وللغد… ما بيروح من بالنا."
واختتم المقابلة بأبيات شعرية قالها بنبرة مفعمة بالشوق:
يَا دَارِنا يَا ظِلِّ زيتُونِنا ..... ما زالت في القلبِ ما زالَتْ فِينا
يا عِين غَزال يا نبعْ حكَايِتنا ..... يا جُرحِنا المفتوح يا سِرّ أمانِينا
خرجنا ليلاً والدَّمعُ يسبُقُنا ..... نحملُ المفاتيحَ والخَيلَ والدَّمعَ دفِّينا
وبعد نهاية اللقاء التُقطت صور تذكارية للحاج مع أحفاده: أحمد، شام، جنى، جودي، ومحمد، وقد عاهدوه على حب الوطن الذي نهلوه من الجذور.
