| المحتوى |
غسان عبدالقادر :.
في منتصف القرن العشرين، حاول المفكر الفلسطيني قسطنطين زريق صياغة معنى للنكبة الفلسطينية حين حوله إلى سؤال يُطرح حول التخلف العربي ويظهر انعدام الوعي القومي. أما ادوارد سعيد، الفلسطيني التائه الذي وصل إلى بلده الأصلي القدس بجواز سفر أميركي ووقف عند سياج منزله دون أن يدخله، فيصف النكبة بأنها تقوم عند تقاطع الماضي والمستقبل، لتكشف من جهة أولى الإنحراف عن ما كان ينبغي أن يحدث، أي الهوية العربية، الجمعية، الموحدة، كما تكشف من جهة ثانية عن ما يمكن أن يحدث، اي انقراض العرب كوحدة ثقافية أو موحدة. من 15 أيار 1948 حين أعلن دافيد بن غوريون قيام إسرائيل إلى 15 أيار 2010 أي بعد 62 سنة، لم تعد النكبة تعني الفلسطيني دون غيره بل تقع في صلب العدالة العالمية والحق الإنساني. لا تكمن أبعاد النكبة الفلسطينية عام 1948 في خسارة أرض بل في خسارة للنسيج الإجتماعي، وتشتت للهوية، وتراكم في الألم وطمس للتاريخ.
صفورية، أرض البركة المنشودة والمفقودة تأبى أن تتحول إلى "تسيبوري"
تجارب النكبة الفلسطينية لا تختلف بتنوع المكان، بل تتكامل لتؤلف جميعها محصلة لنتائج ولادة دولة إسرائيل في نفس اليوم الذي يعتبر يوم نكبة فلسطين. من بين هذه القرى الفلسطينية التي تختصر معاناة شعب ما زال ينتظر العودة، جيلاً بعدد جيل، هي قرية صفوري الجليلية. تاريخياً، كان الكنعانيون أول من سكن القرية بعد ان جاؤوها من جزيرة العرب، واشتق إسمها من معنى عصافير الصباح. وقد تناقلتها أيدي الفاتحين لما كانت تتمتع به من أسوار وحصون حيث لا تزال قلعتها ماثلة للعيان حتى اليوم وأكتشفت فيها أثار رومانية قيمة جعلتها مقصداً لعلماء الآثار الإسرائيليين. كذلك بنيت فيها كنيسة القديسة حنة أم مريم العذراء عليهما السلام، حيث تعتبر صفوري مسقط رأس القديسة ومكان ولادة السيدة مريم، وتلقى المنطقة إهتماماً خاصاً من الكنيسة الكاثوليكية.
صفورية التي تقع شمال الناصرة وتبعد عنها 6 كلم ، تعتبر من أكبر قرى الجليل. ومن إرتفاع 110 م، تشرف صفورية على بساتين الزيتون المباركة والأراضي الخصبة والبيادر الخيرة التي يرويها حتى اليوم نبع القسطل، بعد أن وطأتها أقدام المسيح عليه السلام وباركت تربتها قبل ما يقارب الألفي عام. لكن البركة دنستها عصابات الهاغاناه الصهيونية كذلك في شهر البركة، شهر رمضان من العام 1948.
ففي احد نهارات تموز من ذلك العام، غادر أهل القرية أرزاقهم من دون عودة حتى يومنا هذا. وفق الروايات الصهيونيه، فإن صفورية إشتهرت بمقاومتها للهاجاناه الصهيونية وكان متداولاً أن عرب صفورية هم محاربون أشداء كان يمدّون قرى الجليل الأخرى بالنجدات والمقاتلين. وجاء أول ذكر لهجوم على صفورية في صحيفة (نيويورك تايمز)، إذا أوردت بلاغا أصدره سلاح الجو الصهيوني يزعم فيه أن إصابات مباشرة سجلت في القرية يوم 30 أيار 1948. هذه الأخبار تؤكد رواية أهل صفورية للهجوم عليها في تموز 1948. فقد قصفت ثلاثة طائرات صهيونية القرية قبل أن تهاجمها قوات برية تدعمها كتيبة مدرعة وتعمد إلى تسويتها بالأرض وتهجير سكانها جميعاً. لكن 400 من سكانها اللذين غادروها إلى مناطق مجاورة، عادوا إليها بعد فترة، فعمد الصهاينة مرة أخرى إلى تحميلهم بالشاحنات في كانون الثاني من عام 1949 وإعادة توزيعهم على القرى المحيطة خوفاً من عودة معظم أهالي صفورية إليها. سلطات الإحتلال الإسرائيلي غيرت إسم صفورية بعد ذلك إلى "تسيبوري" وبنت على أنقاضها منازل وزعت بين عدة مستعمرات سكنها من قدموا من وراء البحار.
أرسلها:سيد أبو محمود
alloush-said@hotmail.com
|
| Preview Target CNT Web Content Id |
|