المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية هوية
شهادة الحاجة نجمة سعيد هاشم

في عام 1944، وُلدت الحاجة نجمة سعيد هاشم في بلدة صفورية قضاء الناصرة. كان والدها يعمل في البناء، وتعيش أسرتها في منزل متواضع يتكون من ثلاث غرف، يقع في قلب البلدة التي كانت نابضة بالحياة، عامرة بأهلها، يزينها مسجد ومدرسة ابتدائية.، كما عرفت بمعلميها البارزين مثل الأستاذ محمد مفلح.
كانت طفولة نجمة هادئة، حتى جاء عام النكبة، حاملاً معه الخوف والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية. في ذلك اليوم المشؤوم، اضطرت العائلة إلى ترك كل شيء خلفها. لكن أكثر المشاهد رسوخًا في ذاكرتها كان أختها الرضيعة، التي لم تكمل تسعة أشهر، تتنفس بصعوبة من شدة الجوع والتعب. حينها، فكر والدها المرهق أن يتركها تحت شجرة زيتون، اعتقادًا منه أنها لن تكمل الحياة. غير أن جدتها، وقد غلبتها الدموع، صرخت من قلبها:
"كيف نتخلى عن لحمنا؟"
حملت الجدة الطفلة، وسارت العائلة على الأقدام باتجاه قرية قريبة من لبنان. وبعد أيام من المعاناة، نقلتهم سيارات تابعة للأمم المتحدة إلى مخيمات طرابلس، ثم إلى مخيم الميه وميه في صيدا، حيث عاشوا سنواتهم الأولى تحت الشوادر، بين قسوة النزوح وضيق العيش.
مرت الأعوام، وظلت نجمة تحمل فلسطين في قلبها، ترفض كل عروض المال أو المنازل أو الإقامة الأوروبية. تقول بثبات لا يتزعزع:
وعند سؤالنا عن نكبتها وعن حق عودتها إلى فلسطين خرجنا ماشيين حافيين إلى لبنان وكان عندنا امل أن نرجع بعد أسبوع إلى
صفورية لن أتخلى عن المكان الذي ولدت فيه ولا أتخلى عن ارضي فلسطين بلدي لا أتنازل عن هويتي الفلسطينية… فلسطين لا بديل عنها."
وفي عام 1982، جاءتها فرصة لا تُقدّر بثمن: زيارة أرض الوطن. دخلت من معبر الناقورة، وكان في استقبالها خالها وخالتها اللذان يعيشان في قرية كفر مندى، فكان اللقاء بالأحضان والدموع بعد فراق عقود. جالت في القرى حتى وصلت إلى صفورية، وقفت أمام موقع بيتها الذي لم يبقَ منه شيء، سوى أرض مسوّرة محيت معالمها، فانهمرت دموعها.
زارت البساتين التي كانت تفيض بالبطيخ والتفاح، وتذوقت الشمام الفلسطيني المعروف باسم "الخروش"، ودخلت المسجد المبارك وصلت فيه. تقول وهي تستعيد تلك اللحظة:
"لا أستطيع أن أصف ما شعرت به… كانت أجمل أيام حياتي."
وفي ختام روايتها، أرسلت وصية لأهل غزة، وصية من قلبٍ جُرح لكنه لم ينكسر:
"لا تهاجروا… اثبتوا وصابروا. موتوا في أرضكم أشرف من أن تفقدوا فلسطين."
