
"هوية" في رحاب "لوبية" و"حطين"
هوية توثق مع الحاجة عائشة المحمد والحاجة مريم عبد الخالق
عندما خرجت من لوبية كان عمرها لا يتجاوز الاثني عشر عاما، فتوقعت أن تكون المعلومات عند الحاجة عائشة المحمد قليلة بحكم صغر سنها.. وكانت المفاجأة بحجم ما ...تتذكره وتعرفه الحاجة عن قريتها، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب.. فزيت الزيتون والجبن البلدي في "لوبية "كانا كفيلين بحماية هذه الذاكرة التي غدت إرثا تتناقله الأجيال.
كانت لبقة وممتعة في الحديث وتكلمت لنحو ساعة تقريباً، ليخبرنا مرافقونا فيما بعد أنها قد اختصرت في الكلام هذه المرة.. تحدثت عن معالم "لوبية" وعن دكانها الصغير الذي تذكره بتفاصيله وتفاصيل ما كانت تشتريه منه، وكيف كانت تنزل إلى حيفا لتشتري الكاز من أجل إنارة مصابيح البيوت.
لا عجب منك يا امي، بالأمس اضأتي بيوت لوبية واليوم تضيئين العقول برسالة ترسم لنا خارطة العودة وإثبات جذورنا. حدثتنا الحاجة كيف خرجوا من لوبية بعد ان دارت معركة عنيفة بين أبطال بلدتها والعصابات الصهيونية، وكيف تركوا بيوتهم وناموا في كهف "وادي بريق" وكان ذلك في شهر رمضان المبارك.
ما ميّزَّ الحاجة في هذا اللقاء أنها لا تذكر فقط اسم جدها بل تذكر أسماء إخوته الأربعة وأولادهم، وقد ساعدتنا في إضافة عدد كبير من الأسماء إلى شجرة عائلتها، مؤكدة لنا على حقها في العودة إلى لوبية هي وكل من هم من الأحياء على شجرة العائلة، مهما طال الزمن.

أما الحاجة مريم عبد الخالق، فهي من مواليد حطين 1939، فقد حدثتنا عن حطين التي تتوق إليها أفئدة العاشقين، انتهزت الفرصة في هذا اللقاء لتروي لنا الكثير من القصص، من تلك المشاهد المروعة التي رأتها حين هاجمت العصابات الصهوينة قريتها ودمرت منزلها، إلى مرارة الهجرة التي تتذوق طعمها منذ 66 عاماً، والعذابات التي شهدتها خلال هذه العقود.. وتذكر لنا أنها كادت تموت حين غرقت في بحيرة القرعون ورأت الموت بعينها، قبل أن ينقذها ذلك الراعي، ويكتب الله لها عمراً جديداً، لتكون اليوم خير دليل وشاهد لنكبة 1948.
وإذ تنسى فهي لا تنسى تلك الليالي التي نامتها تحت شجر الزيتون وطيران العدو يحلق فوقهم... هذه الذكريات والصور لم تزرع فيها اليأس بل هي ما يشد عزيمتها وإصرارها على العودة إلى حطين ولا تزال توصي أولادها وأحفادها بها خيراً، وهل من خير أكثر من التمسك بحقهم في العودة؟!