لا بد من الوقوف قليلا هنا مع أهل الزيب وهم ينتظرون ما سيقع على رجالهم الذين نزلوا ذلك الصباح الباكر الى عكا والوقوف معهم أيضا وهم يستقبلون جثث هؤلاء الرجال.
كان أصحاب البيارات والبساتين في الزيب ينقلون حمضياتهم الى سوق الخضار للبيع بالجملة في مدينة عكا مرورا بمستعمرة نهاريا. كانوا ينقلون صناديق البرتقال واليوسف أفندي والحامض الى هناك في سيارات شحن صغيرة من نوع بيك أب وكان هذا النقل يتم في الصباح الباكر كي يحضروا السوق من أوله.
ولا بدّ ان نشير هنا الى ان هناك مناوشات كانت تقع بين المستوطنين من جهة، ورجال الزيب من جهة اخرى. وكانت الهجمات تقع على الزيابنة في أثناء مرورهم بمستعمرة نهاريا، وعلى المستوطنين في أثناء مرورهم بالزيب وهم في طريقهم بين نهاريا الواقعة جنوبي الزيب. ومستعمرة حانوتا في أقصى الشمال من فلسطين، وكان يسقط قتلى وجرحى في هذه الهجمات.، وكان من عادة هؤلاء المستوطنين أن يردوا سريعا على أي هجوم يتعرضون اليه.
ذات يوم وقع هجوم على المستوطنين، وكما هو العادة ردّ المستوطنين بالهجوم على رجال الزيب وهم في طريقهم الى سوق الخضار من خلال نصب كمين لهم في الطريق.
كان اهالي قرية الزيب يسمعون من قريتهم صوت اطلاق الرصاص وهم كانوا يدركون بان هناك كمين قد اعترض رجالهم في الطريق، فكانوا كلما سمعوا صوت رصاص تعالت منهم أصوات ساخطة، وأصوات غاضبة، وأصوات خائفة، وأصوات تبتهل الى الله أن يلطف ويرحم.
وبعد ساعات قليلة تصل سيارة شحن الى تحت البلد وفيها جثث عشرة رجال.
شباب عشرة، لا واحد ولا اثنان، ولا ثلاثة بل عشرة.
أراد اليهود أن يرهبوا أهل الزيب أن يرموا الذعر في قلوبهم ويستأصلوا شـأفتهم .
التقط أهل الزيب الرسالة وجاء ردهم أن هيهات ، " فشـروا " .
شكّلت هذه الفاجعة نقطة تحول في الزيب كان امتلاك السلاح أمرا هاما منذ سنين فأصبح الآن أكثر أهمية من ذي قبل وكان السلاح غالي الثمن أغلى مما كان باستطاعة الكثرين توفيره.
صار امتلاك السلاح عند أهل الزيب أكثر أهمية لهم من امتلاك الذهب صاروا يبيعون حُليّ زوجاتهم لشراء قطعة سلاح، مع الإشارة الى أن السلاح كان أكثر ندرة من الذهب، نعم هكذا كان في ظل حكومة الإنتداب البريطاني في فلسطين وما أدراك ما حكومة الانتداب البريطاني ، ومدى تواطئها ضد الفلسطينيين بعد سنة 1936، والانتفاضات المتعاقبة ضد الحكومة وضد تدفق المهاجرين اليهود من أصقاع الدنيا الى فلسطين صار السلاح أكثر ندرة من الذهب.
"الزيب كما عرفتها"
احمد سليم عودة