| المحتوى |
سمعت من الإذاعات عن إنشاء مدرسة للضباط الفلسطينيين في قطنا قرب دمشق تابعة لجيش الإنقاذ وبقرار من الجامعة العربية، وأن لجنة خاصة ستتجول في مختلف المدن الفلسطينية لاختيار المرشحين لهذه الدراسة. فعزمت على الالتحاق في بهذه الدراسة، بدلاً من الالتحاق بجامعة فؤاد الأول (القاهرة) التي كنت قدمت طلبا لها لدراسة الطب وتلقيت الموافقة عليه، ولكن طرق المواصلات لم تسمح للجنة الفاحصة بزيارة عكا، لذلك قررت المغادرة إلى دمشق واستحصلت على إذن خطي من اللجنة القومية للمغادرة مع الأخ زهير بروم للالتحاق بالجهاد، وكانت القيادة الفلسطينية منعت مغادرة الفلسطينيين موطنهم إلا بإذن من اللجان القومية، لأحد الأسباب الثلاثة فقط وهي: الجهاد او الدراسة العليا او للمعالجة الطبية الضرورية. وعند وصولنا إلى دمشق اتصلنا برئاسة الأركان قرب بوابة الصالحية فاستقبلنا مسؤول عسكري سوري اطلع على رغبتنا وشهاداتنا وأعلن مباشرة موافقته على التحاقنا، مقدراً اهمية حضورنا إلى دمشق بعد ان تعذر على اللجنة المختصة الوصول إلى عكا. وفي اليوم التالي، كنا على ظهر سيارة شحن تحمل البطانيات إلى مقر مدرسة الضباط الفلسطينيين في قطنا حيث وصلنا في نيسان 1948 واستمرت الدورة من 27/4/1948 حتى 30/12/1948، وكان مجموعنا 65 طالب ضابط من مختلف اقضية فلسطين ومدنها.
خضعنا لتدريب شاق ومكثف لمواجهة الأخطار المحدقة الداهمة، وخلال ذلك بدأت المدن الفلسطينية تتساقط في أيادي الأعداء تباعاً مثل حيفا في 23/4/1948 ثم يافا في 28/4/1948 وغيرها من المدن الفلسطينية وذلك كله قبل 15 أيار 1948 موعد انتهاء الانتداب البريطاني ودخول الجيوش العربية إلى أرض فلسطين بحسب القرارات الرسمية. ثم سقطت عكا في 18/5/1948 ولم يبق للعرب شمالا إلا الناصرة والجليل الغربي فثارت غضبتنا في قطنا، وقررنا التوقف عن الدراسة والتدريب وطالبنا بالالتحاق فورا بميادين المعارك للمساهمة فيها.
فاجأ إضرابنا ادارة المدرسة فسارع حازم الخالدي للاستنجاد بالحاج امين الحسيني الموجود آنذاك في دمشق، واصطحبه إلى قطنا، حيث رحبنا بقدومه احتراما بحرس شرف استقبله بتحية رسمية، ثم رغب في الاجتماع بنا حيث تحدث موضحاً ان المعارك مع العدو الصهيوني ستكون طويلة، وان البلاد تحتاجنا ضباطاً يقودون آلاف الجنود المتطوعين اكثر من حاجتنا إلى جنود في الوقت الحاضر، ودعانا للعودة إلى الدراسة قياما بالواجب الوطني المترتب علينا واستعداداً للمعارك المقبلة، وقد اقتنعنا بكلامه، وعدنا إلى الانتظام في الدراسة.
لا بد من ان اذكر ان مناورات التخرج الميدانية جرت في الجليل الغربي الذي كان ما يزال لوحده في ايدي العرب، وقد انتقلنا إليه عبر لبنان حيث قضينا بضعة أيام في اجراء المناورات والتدريبات الميدانية التي شملت ترشيحا وقلعة جدين وسخنين وفرادة حيث النبع الشهير وبيت خاص للمندوب السامي البريطاني وغيرها من القرى. ومن تلال ترشيحا رأيت مدينتي عكا لآخر مرة، وتأثرت آنذاك ابلغ التاثر وتذكرت قول الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود اثناء زيارة الأمير سعود إلى القدس قبل نكبة 1948.
المسجد الأقصى أجئت تزوره؟ أم جئت من قبل الضياع تودعه؟
المصدر: ملحق السفير
|
| Preview Target CNT Web Content Id |
|