شاهد على النكبة
يوسف أحمد زيدان يروي رحلته من يافا إلى اللاذقية

هوية – اللاذقية / سوريا
نيسان 2025
في مقابلة أجراها مندوب “هوية” السيد غسان الحاج خليل مع الحاج يوسف أحمد زيدان، يروي شاهد النكبة من مواليد يافا عام 1943، فصولاً حية من مأساته الشخصية والعائلية، المتقاطعة مع النكبة الكبرى التي أصابت الشعب الفلسطيني عام 1948، منذ مولده في حي المنشية بيافا وحتى استقراره لاجئاً في مدينة اللاذقية السورية.
من اللاذقية إلى يافا: جذور الأب ووفاء لنذر مقدّس
ينحدر والد يوسف من مدينة اللاذقية السورية، وقد هاجر إلى فلسطين عام 1931 بحثاً عن العمل، واستقر في يافا، حيث وُلد يوسف عام 1943 وسط أربع أخوات، ليكون الابن الوحيد للعائلة.
عام 1947، أراد الوالد أن يفي بنذر كان قد نذره أن يقص شعر ابنه (يوسف) في المسجد الأقصى إذا رزق بذكر، وبالفعل، سافر مع العائلة من يافا إلى القدس. غير أن أحد المشرفين على الحرم الشريف أشار عليه بأن قصّ الشعر في مقام النبي يوسف بالخليل أكثر بركة، فتم الوفاء بالنذر هناك، ثم عادت العائلة إلى يافا. ظلّت هذه القصة حاضرة في ذاكرة أحمد من خلال روايات والديه، رغم أن عمره آنذاك لم يتجاوز الأربع سنوات.
نكبة 1948: الرحيل البحري من يافا إلى مصر
مع تصاعد المعارك في يافا عشية النكبة، جهّز والده المركب الذي يملكه الحاج أحمد العوضي، أحد سكان حي المنشية. وانطلقت العائلة في رحلة بحرية من ميناء يافا إلى مصر، برفقة الجيران من آل العوضي، حيث دخلوا قناة السويس ثم مدينة القنطرة شرق، قبل أن تُرحلهم السلطات المصرية إلى قطاع غزة.
استقروا في مخيم المغازي ( أو كامب المغازي كما يقول)، حيث تقاسموا خيمة واحدة مع أخواته المتزوجات وعائلاتهن، وكان الشرشف هو الفاصل الوحيد بين العائلات داخل الخيمة. ومعظم من كانوا في المخيم صرفوا مدّخراتهم باعتقاد أن العودة قريبة، لكن الغربة طالت.
حياة اللجوء في غزة: الغياب الطويل لوالده وثورته مع القسام
بين عامي 1948 و1951، بقيت العائلة في غزة. وعمل القادرون في المهن البسيطة مثل العتالة، بينما اعتمد غير القادرين على معونات الأونروا. وكان والد يوسف يتردد كثيراً بين مخيم المغازي ومدينة غزة، واتضح لاحقاً أن له علاقة شخصية بالحاج أمين الحسيني، وكان يذهب للقائه هناك.
وكشف يوسف أن السبب في انقطاع والده في فلسطين عن زوجته التي بقيت في اللاذقية طوال أحد عشر عاماً ( من ١٩٣١ حتى ١٩٤٢)، يعود إلى انخراطه في الثورة الفلسطينية الكبرى، حيث انضم إلى صفوف المجاهدين بقيادة الشيخ عز الدين القسام، بعدما التقاه في مسجد بمدينة حيفا، فترك الحياة العائلية وتفرغ للعمل الفدائي، غير قادر على التواصل أو دعم عائلته.
الهجرة مجددًا إلى لبنان ثم إلى سوريا
عام 1951، غادرت العائلة غزة مجددًا عبر نفس المركب، ووصلت إلى ميناء صور في جنوب لبنان. ومن هناك، نُقلوا بالباصات إلى بيروت، حيث باتوا ليلة واحدة في منزل أحد معارفهم من آل المغربي. وفي الصباح التالي، واصلوا طريقهم بالباصات إلى اللاذقية.
عند الوصول، استقبلهم الأقرباء في بيوتهم، ولم يُضطروا للإقامة مباشرة في مخيمات اللاجئين. لاحقًا، منحتهم الأونروا قطعة أرض صغيرة، بنوا عليها غرفة ثم وسّعوها إلى غرفتين، ومع الوقت أصبحوا من سكان مخيم اللاجئين في اللاذقية رسميًا عام 1956.
التعليم في المنفى
التحق أحمد بـ مدرسة المأمون، حيث حصل على الشهادة الابتدائية عام 1956. ويتذكر بالتقدير دور الأب سالم، رجل دين مسيحي فلسطيني لجأ إلى اللاذقية، وأسس هناك مدرسة “الأرض المقدسة” بتمويل من الكنيسة، وتحولت لاحقًا إلى ثانوية.
كان الأب سالم شخصية وطنية بامتياز، يجمع التبرعات للاجئين، ويوجه الناس نحو التمسك بحق العودة. ويؤكد أحمد أن التبرعات كانت تُرسل إلى من بقي في فلسطين، عبر رجال كانوا يدخلونها سراً من سوريا.
الاستقرار والعمل: من التعليم إلى الصناعة
بعد تفوقه في مادة الرسم، تخرّج أحمد من المدرسة، وتعاقدت معه وزارة التربية السورية للتدريس في مدرسة الصناعة لمادة الرسم الصناعي، ثم عمل في شركة أسمنت الشهبة باللاذقية، وهو ما مثّل بداية استقراره المهني.
شهادة حيّة من جيل النكبة
شهادة يوسف أحمد زيدان تمثل نموذجًا غنيًا للتاريخ الشفوي الفلسطيني، بما تحمله من تفاصيل دقيقة: من يافا، القدس، الخليل، غزة، صور، بيروت، وحتى اللاذقية. إنها قصة عائلة تكررت آلاف المرات، لكنها تحتفظ بخصوصيتها الفريدة، وتكشف خيوطًا منسية من تاريخ الثورة، اللجوء، والتعليم، والاندماج في بلدان الشتات.