بين ترشيحا ومخيّم النَّيرب…
مسافةُ تهجيرٍ لا تمحو الانتماء
ترشيحا – مخيّم النيرب
حلب – الخميس 11 / 12 / 2025
هويّـــة
بقلم: أ. زياد غضبان
بعد صلاة عشاء الخميس وتسبيحات ليلة الجمعة المباركة، زار وفد “هويّة” الحاجة رشديّة حسن زعتر، المولودة عام 1925 في قرية ترشيحا، والمقيمة حاليًا في مخيّم النيرب – الشارع العام.
في ليالي كانون الأوّل الباردة، وعند دخولنا إلى منزلها المتواضع، استوقفتنا جدرانه التي بدت وكأنها تروي حكايات الأصالة المتوارثة عن الأهل، حارسةً ذاكرةً لم تنكسر رغم قسوة السنين وما عاشه المخيم من محن.
وبعد التنسيق مع ابنها الأكبر أبو معتز، استقبلتنا الحاجة رشديّة بتهليلاتٍ صادقة، وابتسامةٍ دافئة، وطيبةٍ لافتة.
عاشت الحاجة رشديّة مع زوجها رحمه الله، وأولادها، صامدةً في منزلها طوال سنوات الحرب، ولم تغادر المخيم رغم ما شهدته مدينة حلب، لتبقى شاهدًا حيًّا على الصمود والمقاومة في وجه الشدائد.
استُهلّ اللقاء بتدوين شجرة العائلة، وذكر محاسن زوجها المرحوم، ثم بدأت حديثها قائلة:
“أنا الحاجة رشديّة حسن أحمد زعتر، مواليد فلسطين 1925، من قرية ترشيحا – عروس الجليل الأعلى.”
أشارت إلى أنّهم كانوا يسكنون حارة البيّاضة في ترشيحا، بجوار الدكتور أحمد بشارة، والد المفكّر عزمي بشارة. وذكرت أنّ المسلمين في ترشيحا اشتهروا بالزراعة، فيما عُرف المسيحيون بالصناعة، وأن القرى المحيطة شملت: الزيب، البصّة، الكابري، البروة، الجِشّ.
خرجت الحاجة من قريتها وهي في الرابعة عشرة من عمرها، وما تزال ذاكرتها حيّة؛ فاستحضرت أسماء جيرانهم:
أم نعيم، حافظ أبو سخينة، علي الشناتي، حامد أبو حسان، الجِشّة، سمارة، سرحان، القاضي، الدربي، عبد الحميد، ومن الجيران المسيحيين أسعد حنّا.
تكوّن منزل العائلة من طابقين؛ الأرضي يضم أربع غرف: للدواب، وللمؤونة، وغرفتين للعائلة. أمّا ساحة الدار فزرعها والدها غربًا بالحمضيات، وشرقًا بالتين والزيتون، وفيها بئر وبيادر. وكان الماء يُجمع في آبارٍ خاصة، مصدرها نبع صافٍ في مدخل القرية.
وبشغفٍ وحنينٍ واضحين، تابعت ذكر معالم ترشيحا وحاراتها:
حارة سرحان، حارة سمارة، حارة الأغوات، حارة الدربي، حارة الجِشّة، حارة القاضي، حارة الحمولة…
وبعد استراحة قهوة عربية، انتقلت للحديث عن البنية التحتية، بدءًا من التعليم، حيث تعلّمت في الكُتّاب على أيدي الشيوخ الذين كانوا يدرّسون القرآن الكريم، ثم المدارس. وذكرت أن زوجها المرحوم زكي الدربي درس في مدرسة ترشيحا حتى الصف الرابع على يد الأستاذ ياسين برقاوي.
وتحدثت عن مساجد القرية وكنيستيها، ومقامات أوليائها: الشيخ مجاهد والشيخ سبلان، اللذين كانا موضع تبرّك ومقصدًا لأهالي القرى المجاورة. كما أشارت إلى المضافة التي كانت مركزًا لاجتماعات الأهالي لمناقشة شؤون القرية، والتي كان مختارها آنذاك الحاج فهد شريح.
وضمّت ترشيحا مطحنتي قمح، ومعاصر عديدة للزيتون، الذي وصفته بأنه “زيت فلسطيني أصيل، يتغذّى على قطرات الندى”.
وعادت للحديث عن والدها، الذي استثمر أرضه بزراعة الدخّان، وكان ينقله على الجِمال إلى حيفا ويافا وعكّا وغيرها من المدن لبيعه.
وعن سبب تسمية ترشيحا، روت الرواية الشعبية:
“طار رأس شيحا”
وهو أحد مجاهدي فلسطين.
ثم انتقلت للحديث عن عادات أهل ترشيحا، وخصوصًا الأعراس، بتفاصيل دبكاتها، وموائدها، وتعليلة العروس، وزفّتها على الهودج. وبفرحٍ ممزوجٍ بالحنين، استذكرت بعض الأهازيج الفلسطينية، ومنها:
جفرا ويا هالرّبع ريتك تقبريني
تدوسي ع قبري ويطلع ميراميّة
كما روت أجواء رمضان، من المسحّراتي نايف عرّار، وتبادل الأطباق، إلى صباح العيد، وتوزيع الكعك في المقبرة.
ومن أجمل ما روت، حادثة مناصرة المظلوم، حين أضاع تاجر حيوانات قطيعًا كبيرًا من الغنم والماعز، فجمع كبير القرية محمد سرحان الأهالي في القهوة، وألزم الجميع بدفع ثمنه، كلٌّ حسب استطاعته.
عن مسيرة التهجير، قالت الحاجة رشديّة:
في البداية، هاجمهم اليهود بالقوة والقصف، فخرجوا ركضًا إلى كفر جنيد عند الدروز، ثم مشوا ساعاتٍ إلى بنت جبيل، حيث قضوا ليلة واحدة. هناك باع والدها الحصان ليؤمّن الطعام للعائلة. ثم نُقلوا بقطارات مخصّصة للدواب إلى حماة، وبعدها إلى حلب.
ومن هنا بدأت معاناة اللجوء، لمن كان الوطن قد عشّش في قلبه. وهي في الخامسة عشرة، ذاقت ألم الفراق وقسوة الحياة، من نقل مياه الشرب، إلى تأمين الملابس والطعام.
وعن العودة، قالت ودموعها تسبق كلماتها:
“لا، ما بتنازل… ولو يعطوني مال الدنيا ما ببيع العتبة.”
“ترشيحا هي الوطن… يا ريت ضلّ أبوي طيّب. لهلّأ ولبكرا أملي بالعودة موجود.”
“وإذا رجعت على فلسطين، بكون رجعت بالعمر من جديد.”
رسالة شكر من الحاجة
من لايشكر المخلوق
لايشكر الخالق
اسره الحاجه ام رشيد قشطه تتقدم لكم بجزيل الشكر والاحترام والتقدير ....لجهودكم المبذولة تجاه قضيتنا ...الفلسطينيه ...عندما نبحث عن كلمات شكر للاخرين فإن أجمل العبارات والحروف ترتسم بدعاء'لكم بالتمني بالنجاح والتقدم ودوام الصحه والعافيه ونيل الحريه التي يتمناها كل قلب فلسطيني وتعزفها دماءهم الطاهره...
لقاءكم مع من تملكت التجاعيد وجوههم وعلا الشيب رؤسهم ولم يغير مشاعرهم بالتمسك بتراب أرضهم وحلمهم النازف لم ولن تغيره رصاصات العدو الغادر بل نراهم رغم تعب السنين والانتظار مازال الأمل بالعوده والنصر والتحرير حروفهم واغنيتهم .....
لكل من علمنا حب الوطن وغلاوه ترابه ...ولكل من زرع في قلوبنا التشبث بترابه ...دعاءنا لكم بطول العمر والعوده
ولكم منا فريق العمل ....هويه ....جزيل الشكر والاحترام....
والنصر قادم بإذن الله ....سنعود
