ذاكرة #صفد في سيرة
الحاج الأستاذ علي محمود البيطار – مخيم النَّيرب
حلب – مخيم النَّيرب
الاثنين 2025/12/15
#هويَّة – أ. زياد غضبان
الحاج علي محمود البيطار (مواليد عام 1940)، من حارة الجامع الأحمر في مدينة صفد، معلّمٌ حمل همَّ الذاكرة معه أينما ارتحل. تنقّل في شوارع مخيم النَّيرب محافظًا على ذاكرة صفد، مدينةً لم تغب يومًا عن وجدانه.
استقبل الحاج علي وفد مؤسسة هويّة في منزله، بحضور جميع أبنائه، بابتسامةٍ دافئةٍ تثلج الصدور. كانت ملامحه وحركاته الإيمائية تروي واقع اللجوء، فيما صدحت كلماته بنبرةٍ مشبعةٍ بالشجن. ومن هناك، أخذنا في رحلةٍ إلى طفولته في صفد.
بدأ بسرد تفاصيل بيته الحجري البسيط في حارة الجامع الأحمر: غرفتان، إحداهما لجدّه وجدّته، والأخرى للعائلة، تتوسطهما ساحة دارٍ مزروعة بأشجار التين والتوت والزيتون. ثم انتقل إلى وصف معالم المدينة، مؤكدًا أنها كانت نموذجية، بطرقها المرصوفة، وشوارعها وأسواقها، وقلعتها التي تمركز فيها ثوّار المدينة خلال مواجهة الاحتلال البريطاني.
وتحدّث عن ينابيعها العذبة التي تصبّ في وادي الطواحين، فتسقي مزروعاتها التي كانت تُنقل إلى مدينة عكّا، لما عُرف عن مياه صفد من عذوبةٍ محبّبة لأهل الساحل. كما ذكر أسماء بعض جيرانهم في صفد مثل: القوصي، عجاج، الحيفاوي، وأشار إلى عائلاتٍ عريقةٍ في المدينة، منها: قدورة، خضرة، بستوني، سويد، عطوة، زكاري، ساعد، حميدة وغيرها.
واستعاد ذكرياته الدراسية في مدرسة الجامع الأحمر حتى الصف الخامس قبل الهجرة، مشيرًا إلى أن جدّه كان يصطحبه صباحًا إلى المسجد الأحمر، الذي لا يبعد عن منزله سوى عشرين مترًا.
ثم انتقل إلى عام النكبة، حيث شهد سقوط صفد عام 1948. روى كيف اشترى والده بندقية والتحق بالمجاهدين في القلعة، التي كانت آنذاك نقطة تمركز للثوار. وبرغم رجفة صوته وخفوته، استجمع ألمه ليستعيد تفاصيل الهجرة، بدءًا من وداع والده، الذي كان آخر لقاءٍ بينهما.
قال واصفًا لحظة الخروج:
«طلعنا بالعصاية… طلعنا بالقوّة».
اختبأت العائلة في كرم جدّه بمنطقة الرشيدة، وبعد مبيت ليلةٍ واحدة، اشتدّ في صباح اليوم التالي قصف الطيران العنيف بالبراميل المتفجرة فوق عكبرة. غادروا بعدها إلى وادي الطواحين على طريق عكّا – الجِشّ، ثم مشيًا إلى الجِشّ على طريق بنت جبيل الحدودية.
وصف الحاج علي معاناتهم في الخيام من الجوع والعطش، حتى وصولهم إلى لبنان عند أقاربهم، ثم انتقالهم بالقطار إلى حلب، حيث نزلوا في محطة تُعرف بـ محطة بغداد. وبعد توزيع العائلات على المناطق، كان نصيبهم منطقة الزربة شمال حلب، قبل أن يستقروا لاحقًا في مخيم النَّيرب.
وفي ختام حديثه، جدّد الحاج علي رفضه القاطع للتنازل عن أرضه ومسقط رأسه صفد، قائلًا:
«ما بقبل… ما برضى أبدًا».
وأكد أن أمل العودة إلى فلسطين لا يفارقه، مضيفًا:
«حقّ العودة بعادل الروح… صفد هي قبري وجنّتي، وهي المكان اللي لازم أعيش وأقضي حياتي فيه»،
و**«ولو ملّكوني الدنيا كلّها، حقّ العودة ما بتنازل عنه»**.
كما أوصى أبناءه وأحفاده بالتمسّك بحقهم في العيش بكرامة على أرضهم، وأن تبقى صفد وفلسطين حاضرتين في حياتهم وذاكرتهم.
وفي نهاية المقابلة، اجتمع أبناؤه (محمود، أحمد، محمود) وحفيده، في لحظةٍ وجدانيةٍ مؤثرة، تختصر وصيّة أبٍ وجدٍّ مناضل، لتبقى الرسالة حيّة:
«الكبار يموتون… والصغار لا ينسون».
